الحوادث أكثر مما يلزم الاحتمال الآخر ، فيقال : الأصل عدم الحوادث الزائدة المشكوكة اللّازمة لهذا الاحتمال ـ على تقدير ثبوته ـ فيتعيّن الاحتمال الآخر ، الذي هو أقل حادثاً من الاحتمال المذكور ، ولا ريب أنّ الاُمور المذكورة ـ على تقدير كونها قرائن ـ يلزمها من الحوادث أكثر مما يلزمها ـ على تقدير عدم كونها قرائن ـ إذ على التقدير الأوّل يلزمها الملاحظة ، والاعتماد عليها ولا تكون كذلك على التقدير الآخر ، فهذه الملاحظة ، وذلك الاعتماد مشكوكان ، فالأصل عدمهما ، فيثبت عدم كونها قرائن ، وأنّ المتكلم استند إلى جوهر اللّفظ ، وهذا الأصل ـ أيضاً ـ يرجع إلى استصحاب العدم الأزلي ، كما لا يخفى .
ثم إنّ هذا الأصل ـ أعني أصالة عدم القرينة ـ فيما نحن فيه ، وإن كان معتبراً في نفسه ، إلّا أنّه ليس في الاعتبار بمثابة أصالة عدم القرينة في المقام الثاني ـ أعني مقام الشك في المراد ـ بعد إحراز الحقيقة ، كما يشهد له مراجعة طريقة العقلاء .
وأيضاً تشخيص التّبادر الوضعي بالأصل يخرجه عن كونه علامة قطعية للوضع ، فإنّه إنّما يكون كذلك ، إذا اُحرز كونه ناشئاً عن جوهر اللّفظ بطريق القطع ، إلّا أنّه ـ حينئذ ـ لمّا كان محرزاً بالظن المعتبر ، فيكون اعتباره ـ حينئذ ـ بمنزلة اعتباره مع إحرازه بالقطع ، فلا ينافي ذلك ما صِرنا إليه ، من عدم حجية الظن في اللّغات عند اشتباه الوضع ، إذ المراد ـ ثمة ـ منع حجيته من باب الظن المطلق .
هذا ، وأمّا إذا دار الأمر بينه وبين التبادر الإطلاقي بالمعنى الأخير ، وهو المعنى الرّابع ، فلا مجرى للأصل المذكور فيه بوجه ، فإنّه على تقدير كون التبادر إطلاقيّاً ـ بهذا المعنى ـ لا يلزم أمر حادث ، ليتمسّك في نفيه بالأصل ، لما قد عرفت مِنْ أنّ فصله عدمي ، فيكفي في تعيّنه عدم ملاحظة خصوصية زائدة ، فيكون احتماله موافقاً للأصل ، ولذا قال أهل المعقول : إنّ الماهيات البسيطة تعينها إنّما هو بذاتها ، لا بملاحظة أمر آخر ، لكونها ـ أي الملاحظة ـ مستلزمة للتّركيب ، وهو خلاف الفرض ، من كونها بسائط .
نعم يمكن التمييز ـ حينئذ ـ بالرّجوع إلى صحة السلب وعدمها بالنسبة إلى الفرد الآخر ، الذي لا بد في تعيينه من ملاحظة خصوصيّة زائدة ، فان صح السلب بالنسبة إلى ذلك الفرد ، فيتعيّن كون التبادر وضعيّاً ، وإلّا فيتعين كونه إطلاقياً ، وتشخيص التبادر بصحة السلب وعدمها إنّما هو على سبيل القطع ، لكونهما من العلائم القطعية وهذا بخلاف تشخيصه بالأصل ، كما عرفت .