احترازهم عن النجاسات في المياه الموجودة عندهم والأطعمة واللحوم وغير ذلك ، فإنّه لو كانت تلك الامور ـ من النجاسة والحلّية والحرمة ـ امورا واقعيّة لا مدخل للعلم والجهل فيها لزم فساد عباداتهم في الواقع من جهة عدم اجتماع الشرائط الواقعيّة فيها.
ولكنّ الإنصاف : أنّ التزام مثل ذلك بعيد في الغاية ، كيف! وجلّ الأدلّة بل كلّها ممّا ينافي ذلك ، كما هو غير خفيّ على المتتبّع العارف بموارد الكلام ، كما أومأنا إليه فيما تقدّم (١). والأدلّة القائمة في المشكوكات صريحة على ثبوت الواقع عند الشكّ.
وأمّا الاستناد إلى سيرة الأئمّة ، فلا يجدي شيئا في المقام ؛ فإنّ المعلوم من ذلك هو ابتلاؤهم بالموضوعات المشكوكة عندنا ، ولا دليل على ارتكابهم عليهمالسلام للمحرّمات الواقعيّة حتّى يدفع بما ذكر : من أنّ الأحكام المذكورة مترتّبة على العلم بها من وجه خاص ، وإلاّ فلو قيل بأنّها من أحكام مطلق العلم أيضا لم يكن لما ذكر وجه على تقدير القول بإحاطة علمهم عليهمالسلام فعلا لجميع الموضوعات وأحكامها. فعلى هذا يحتمل عدم وقوعهم في المحرّمات الواقعيّة إمّا بدعوى العلم بها ، وإمّا بواسطة أنّهم عليهمالسلام مؤيّدون بالتأييدات الإلهيّة ومسدّدون بالتسديدات الربّانيّة محفوظين عن الوقوع في الامور الدنيّة ، فما يرتكبونه وإن كان في أنظارنا من الموارد المشتبهة إلاّ أنّه في الواقع من الموضوعات التي يجوز ارتكابها.
وأمّا قول الأمير عليهالسلام (٢) ، فدلالته على ثبوت النجاسة الواقعيّة عند عدم العلم أظهر من دلالته على انتفائها عند عدم العلم. نعم ، يظهر منه ما يفيد النجاسة للصلاة عند العلم ، وأين ذلك من ارتفاع موضوعها عند عدم العلم؟ ويؤيّد ما ذكر بعض
__________________
(١) راجع الصفحة ١٤٠ وما بعدها.
(٢) المراد قوله عليهالسلام : « ما ابالي أبول وقع عليّ أم ماء إذا لم أدر ».