هذا إذا قلنا بأنّ جعل الطريق إنّما هو في حال الانفتاح.
وأما في حال الانسداد فالأمر فيه أوضح ؛ إذ الوجه في الانسداد هو عدم موافقة العباد للحجّة عليهالسلام كما قرّر في محلّه (١) فلا يجب على الحكيم إيصالهم إلى المصالح الواقعيّة ، فإنّهم هم السبب في امتناع ذلك في حقّهم ، فقضية اللطف لا مجرى لها في حال الانسداد. ويكفي حينئذ في مصلحة الجعل كون الطريق مطابقا لما هو الطريق إليه في الأغلب أو في الغالب ، فلا يكون الأخذ بالطريق مشتملا على المصلحة الزائدة على مصلحة الواقع ، فلا محذور.
وقد يجاب عن محذور التصويب في المقام : بأنّ الشارع الحكيم لمّا كان عالما بأنّ اقتصار المكلّفين على الأحكام الواقعيّة ـ بأن لا يجوز لهم تناول اللحم إلاّ بعد العلم بكونه حلالا واقعيا لا يدانيه ريبة الحرمة ـ مما يوجب مفاسد شتّى ولو بواسطة ضيق يشاهد في دار التكليف وعدم اتّساع عالم المكلّفين لذلك ووقوعهم في محاذير أخر من جهات اخرى ، فلا ضير في جعل الأمارات التي قد تتخلّف عن الأحكام الواقعيّة نظرا إلى إدراك (٢) تلك المصالح عند جعل تلك الأمارات. وهذا هو المراد مما عسى أن يقال في المقام ، من أنّ التسهيل في أمر العباد يقتضي جعل تلك الطرق.
وقد يقال : إنّ الشارع قد منّ على عباده بجعل تلك الطرق وعفى عن الواقع ولم يوجب عليهم تحصيله.
وكلا الوجهين ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه :
أمّا الأوّل ، فلأنّ التسهيل لو كان من الوجوه التي يختلف بها الأحكام الواقعيّة ويقتضي جعل حكم على طبقه ، فالأولى أن يكون وجها لإسقاط الواقع ؛ فإنّ مجرّد المصلحة في وجود الشيء لا يقضي بالأمر به ، بل لا بدّ مع ذلك من عدم
__________________
(١) انظر كشف المراد : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، والقوانين ١ : ٣٥٣.
(٢) في « م » بدل « إدراك » : « تدارك ».