أحدهما : ما هو من قبيل الإنشاءات التي لم يتصرّف فيها الشارع إلاّ بالأمر بإمضائها وترتيب الآثار المطلوبة من متعلّقاتها عليها بعد صدورها وحدوثها ، أو النهي عن ذلك فلا يترتّب عليها ما هو المقصود منها ، كالعقود والإيقاعات : من البيع والنكاح والطلاق وغيرها ، فإنّ الشارع إنّما أمضى في تلك الأسباب ما هو المعهود بين العرف من آثارها.
وثانيهما : ما لا يكون كذلك ، كسائر الامور ما عدا الآثار الحاصلة من العقود والإيقاعات ، فإنّه من قبيل الأحكام المجعولة من الشارع المقدّس في موضوعات خاصة ومتعلّقات مخصوصة ، كالطهارة المعلّقة على الموضوعات الطاهرة ، والنجاسة الثابتة للأعيان النجسة ، وحلّية الأكل في الذبيحة ونحوها.
ولا ريب أنّ الأحكام المتعلّقة بتلك الموضوعات ـ وضعية أو تكليفية ـ إنّما هي أحكام جعليّة شرعيّة قرّرها الشارع لتلك الموضوعات ، فتكون منوطة بالاجتهاد الذي هو الطريق إليها ، فإذا رأى طهارة العصير العنبي بالاجتهاد فلا بدّ من إجراء حكمها عليه ، وإذا بدا له نجاسته فيجب إجراء حكمها عليه في الوقائع السابقة أيضا ، وكذا لو بنى على كفاية قطع الحلقوم في التذكية وعمل بها ثمّ بدا له حرمة الذبيحة المعهودة فلا بدّ من البناء على الحرمة والنجاسة من أوّل الأمر.
وذلك بخلاف القسم الأوّل ، فإنّه يؤخذ فيه بالنسبة إلى موارد وجود تلك الأسباب فيها بمقتضيات تلك الأسباب فيها ، فلو عقد على المرضعة عشر رضعات بناء على اجتهاده أو تقليده ، ثمّ عدل عن ذلك وظنّ حرمتها ، لم يجز له العقد على مثلها وإن لم يؤثّر في العقد السابق وصحّ نكاحها (١).
والوجه في هذا التفصيل ـ الراجع حقيقة إلى التفصيل بين الإنشائيّات
__________________
(١) انتهى التفصيل.