من وجوده الوجود. وهو فاسد جدّا ، لأنّ لفظة « من » في الحدّ نشويّة ، والوجود حقيقة ناش من العلّة التامّة الحاصلة بوجود الجزء الأخير.
نعم ، يصحّ استناد المعلول إليه تسامحا ، والحدّ غير مبنيّ عليه.
وبذلك يظهر فساد ما قد يورد على تعريف السبب بالجزء الأخير وبما هو في مرتبة المعلول وعرضه في الاستناد إلى العلّة ؛ من حيث إنّ وجودها ملازم لوجود المعلول ، بل مقتضى التضايف أنّه كلّما وجد أحد المتضايفين يجب وجود الآخر ، فيلزم من وجود المعلول وجود العلّة ومن عدمه عدمها ، فينتقض التعريف بالمسبّب أيضا.
وجه الفساد : هو ما عرفت من أنّ الظاهر من لفظة « من » أن يكون المسبّب ناشئا منه (١) ، وليس الأمر كذلك فيهما.
لا يقال : فعلى ما ذكر من معنى لفظة « من » يكون التعريف دوريّا ، فإنّ العلم بالنشوء المذكور في مرتبة العلم بالسبب.
لأنّا نقول : هذه الحدود حدود لفظيّة لا يراد منها حصول معرفة جديدة غير حاصلة في الغريزة ، بل المقصود بها التنبيه على ما هو مسمّى تلك الألفاظ بين المعاني المرتسمة في الذهن ، وإلاّ فالواقع هو ما نبّهنا عليه من اختلاف مراتب التوقّف بحسب نفس الأمر والواقع ، وإنّما حاولوا بذلك التنبيه على تلك المراتب المختلفة.
هذا خلاصة الكلام في تحقيق معنى السبب والشرط ، ومنه يعرف الكلام في حدود ساير أنواع المقدّمة : من المعدّ والمانع.
ولنرجع إلى ما هو المقصود ، فنقول : إنّ النظر في موارد كلماتهم يعطي عدم إرادة العلّة التامّة ـ كما قد يراد منه العلّة في مصطلح أرباب المعقول ـ ويدلّك على
__________________
(١) في ( ع ) و ( م ) : أن يكون نشويّة.