الثاني : اتّفاق جميع أرباب العقول على ذلك على وجه يكشف عن ثبوت المتّفق عليه بحسب الواقع. ولعلّ ذلك مراد من ادّعى الإجماع على ذلك ، نظير ما قد ادّعاه بعض أساطين المعقول من إجماع أرباب الملل على حدوث العالم بالحدوث الزماني وكونه مسبوقا بالعدم الواقعي (١).
ومنه يظهر فساد ما ربّما يتخيّل : من أنّ الإجماع في المسألة الاصوليّة غير ثابت الحجيّة ، إذ بعد الغضّ عن أنّ الإجماع في محلّه حقيقة لا وجه للمنع عن حجيّته وإن كانت مسألة أصوليّة.
يرد عليه : أنّ ذلك إنّما يتّجه إذا كان المراد هو الإجماع المصطلح. وأمّا على الوجه الذي قرّرناه فلا مساق للكلام المذكور بوجه.
الثالث : ما احتجّ به جماعة ، أوّلهم ـ على ما هو المنسوب إليه ـ أبو الحسين البصري (٢) ، وتبعه في ذلك من تأخّر عنه (٣) ، وهو : أنّ المقدّمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها ، فحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بالمحال ، وإلاّ يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وقد فرضناه كذلك ، وبطلان اللازمين ممّا لا كلام فيه ، فكذا الملزوم ، فيجب أن تكون واجبة.
والمراد من عدم الوجوب المذكور في المقدّم في الشرطيّة الاولى أعمّ من أن يكون بفقد الجنس والفصل ـ أعني المنع من الترك ـ أو بفقد الفصل فقط ، والمراد من الجواز المأخوذ في التالي فيها هو مجرّد اللاحرج الملحوظ في
__________________
(١) انظر گوهر مراد : ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٢) نسبه إليه الآمدي في الأحكام ١ : ١٥٣.
(٣) منهم المحقّق في المعارج : ٧٤ ، والعلاّمة في نهاية الوصول : ٩٤ ، ومبادئ الوصول : ١٠٧ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٨٤.