الوجوب باختيار السبب منافيا للمقدوريّة لزم أن لا يكون الواجب بالنسبة إلى كثير من أفعاله قادرا ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ لما تقرّر من أنّ الحوادث اليوميّة مستندة إلى أسباب موجودة مترتّبة منتهية إليه تعالى (١) ، انتهى.
ولا يذهب عليك أنّ ما ذكره المحقّق المذكور بظاهره يوهم جواز التكليف بالممتنع بواسطة الاختيار ، على ما استفاده منه بعض من لم يسلم فطرته عن الاعوجاج (٢) ، بل المدار في الجواب هو التحقيق الّذي لا مفرّ عنه : من جواز العقاب على نفس المأمور به من دون مدخليّة أمر ، وامتناعه في ذلك الوقت لا يضرّ في العقاب على تركه بعد استناد الترك إلى اختياره سبب العدم. وكذا ما أفاده المحقّق الطوسي صريح أيضا فيما ذكرنا.
نعم ، قوله : « ومثل هذا الامتناع لا ينافي المقدوريّة » بظاهره يوهم اتّصاف المورد بالمقدوريّة بعد الاختيار ، إلاّ أنّ من المقطوع من حال ذلك العلم العلاّمة أنّ مراده منه المقدوريّة حال الصدور ، كما هو ظاهر.
ثمّ قال : وبما ذكرنا ظهر أنّ ما ذكر في ذيل « لا يقال » : من أنّ ترك الحجّ ليس ممتنعا في ذلك الزمان بل بشرط عدم المقدّمات ، ليس موافقا للتحقيق وإن كان مشهورا بين القوم ؛ لأنّ الأصلين المذكورين سابقا إنّما يستلزمان الامتناع في ذلك الزمان أيضا ، كما لا يخفى. وأنّ ما ذكره في جواب « لا يقال » من أنّ غاية ما ذكرت الإمكان الذاتي أيضا منظور فيه ؛ لأنّ ما ذكره القائل وهو المشهور بينهم على تقدير صحّته إنّما يستلزم تحقّق الإمكان الوقوعي في ذلك الزمان ، لا الذاتي فقط ، بل هو متحقّق على تقدير الشرط (٣) ، انتهى.
__________________
(١) رسالة في مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٨٥ ـ ٨٧.
(٢) في ( ط ) زيادة : وجبلت طبيعته على اللجاج.
(٣) المصدر المتقدّم : ٨٧.