قلت : التحقيق في ذلك هو ما قدّمنا : من أنّ الإمكان الذاتي أو الوقوعي إنّما هو بالنسبة إلى الآن الثاني من زمان العدم ، حيث إنّه يمكن انقلاب الوصف المأخوذ في الموضوع في المشروطة ما دام الوصف إلى نقيضه ـ ومنه تكليف الكفّار بالفروع ـ وليس ذلك من محلّ الكلام بوجه ، فليتأمّل في فساد المذكورات جميعا.
ثمّ إنّه رحمهالله أطال في النقض والإبرام ، ومن أراد الاستطلاع فليراجع رسالته المعمولة في رد المحقّق المذكور.
ونحن نقول : إنّ الإنصاف أنّ الدليل المذكور ممّا لا يتمّ بوجه.
أمّا أوّلا : فنختار أنّه يستحقّ العقاب في زمان ترك المقدّمة.
قولك : إنّ المكلّف لم يفعل قبيحا ، كما هو المفروض. قلنا : قد عرفت فيما سبق أنّ طريقة الإطاعة والعصيان مأخوذة من طريقة العقلاء ، ولا ضير في عقاب العبد التارك للمشي حال الترك وإن لم يكن زمان الفعل حاضرا ، إمّا باعتبار صدق « الترك » بالنسبة إلى الفعل حقيقة وإن لم يكن زمانه حاضرا ، نظرا إلى أنّ للوقت مدخلا في حصول الفعل لا في صدق الترك ، إذ ترك الواجب عبارة عن عدم اقتدار المكلّف على الفعل المتروك إمّا بانقضاء وقته أو بغير ذلك ، والمفروض أنّ المكلّف بعد ترك المقدّمة غير قادر على الفعل ، وإن كان فيه نظر قد نبّهنا عليه فيما سبق. وإمّا باعتبار ما هو المناط في صدق « الترك » من ارتفاع القدرة على الفعل حال حضور الوقت وتفويته التكليف بإيجاد سبب الترك.
لا يقال : كيف يعقل استحقاقه العقاب ويحتمل حصول الفعل بعد ترك المقدّمة بالسعي إليه ولو خرقا للعادة؟ لأنّا نقول : ذلك خارج عن مفروض الكلام ، فإنّ محلّ البحث فيما إذا حصل الامتناع ، وعند حصول المقدّمة على الوجه المزبور يكشف عن أنّ المشي مع القافلة لم يكن مقدّمة معيّنة يوجب تركها الامتناع. وهذا ظاهر.
فإن قلت : ما ذكرت من استحقاق العقاب عند ترك المقدّمة بواسطة إيجاده