سبب الترك بعينه هو القول بوجوب المقدّمة ، فيستقيم الاستدلال ولا ينهض ما ذكرته بدفعه.
قلنا : كلاّ! لأنّ المبحوث عنه في المقام هو اثبات تعلّق الطلب والإرادة ولو على وجه الإجمال ـ على ما عرفت في تحرير محلّ الخلاف ـ بالمقدّمة.
وما ذكر في الجواب لا ينهض به قطعا ، إذ غاية ذلك تسليم ترتّب العقاب المترتّب على ترك الفعل عند ترك المقدّمة ، وأين ذلك من تعلّق الطلب والإرادة بالمقدّمة؟
كيف! ولو كان المذكور كافيا في المقام لم يكن حاجة إلى تمهيد المقدّمات المذكورة ، إذ لا يخفى على أوائل العقول أنّ ترك المقدّمة يوجب ترك الواجب ، وهو قبيح ، وبعد لم يثبت أنّ ما يوجب تركه قبيحا لا بدّ أن يكون فعله مطلوبا ، فإنّ ذلك في مرتبة المدّعى على ما هو ظاهر.
وثانيا : نختار أنّ التارك للمقدّمة محكوم باستحقاقه العقاب في زمان الحجّ. قولك : إنّ فعل الحجّ هناك غير مقدور له ، فلا يتّصف تركه بالقبح. قلنا : إن اريد من حضور زمان الحجّ قبل انقضاء وقته ، فهذا هو المذكور في الشقّ الأوّل. وإن اريد بعد انقضاء وقته ، فلا ريب في صدق ترك الواجب في حقّه ، وأيّ قبيح أعظم من ترك الواجب مع الاقتدار عليه! ففي كلّ آن يلاحظ إمّا أن يكون وقت الفعل منقضيا أو باقيا ولو بالنسبة إلى الأجزاء ، كما لا يخفى. وعلى التقديرين لا غبار في العقاب ، كما عرفت.
ولو سلّم فلا نسلّم أنّ ذلك الامتناع الحاصل في الفعل بواسطة اختيار المكلّف حال الاقتدار عليه عدم الفعل يوجب عدم اتّصاف الفعل بالحسن والقبح وإن قلنا بقبح التكليف الفعلي بذلك ، لكنّه لا يوجب رفع العقاب عليه. وقد مرّ تحقيق ذلك في كلام المحقّق الخونساري (١).
__________________
(١) تقدم في الصفحة : ٤٢٣.