وأمّا ما ذكره أخيرا من حديث النوم فهو ممّا لا يشبه كلام ذلك المحقّق ، فإنّ عدم اتّصاف فعل النائم بالحسن والقبح إنّما هو فيما إذا استند فعله إلى النوم ، مثل أن يكون ترك الصلاة مستندا إلى النوم فيما لم يكن مسبوقا بالأمر بها. وأمّا إذا كان مستندا إلى فعل آخر له على وجه الاختيار وكان وقوع النوم منه وعدمه سيّان في ترتّب ذلك الفعل على ما فعله أولا ، فهو ممّا يتّصف بالحسن والقبح قطعا ، وذلك كمن رمى سهما ولم يقع في محلّه إلاّ بعد نوم الرامي مثلا ، فإنّ ذلك قطعا منسوب إليه ولو حال النوم ، والوجه في ذلك أنّ الفعل ليس من أفعال النائم حقيقة ، بل هو من أفعال المستيقظ الّذي نام بعد صدور الفعل منه ولو بواسطة صدور أسبابه ومقتضياته.
والعمدة في ذلك هو إثبات اتّصاف الأفعال التوليديّة ـ كالمباشريّة ـ بالحسن والقبح. ولعلّه كذلك ، لترتّب المدح والذمّ عليها كترتّبهما على غيرها ، من غير فرق في ذلك.
ثمّ إنّ بعد التسليم عن الامور المذكورة فلم يظهر لنا تأثير الوجوب في دفع المحاذير إلاّ بالقول بوجوب المقدّمة وترتّب العقاب عليه فقط دون وجوب ذيها ، وذلك من أشدّ القبح (١) كما لا يخفى ، إذ على تقدير الوجوب يلزم المحاذير حرفا بحرف ، كما عرفت في الدليل الثالث. فتأمّل.
السادس من الأدلّة : ما احتجّ به المحقّق المذكور أيضا (٢) ، وهو أنّه لو لم يجب مقدّمة الواجب المطلق لزم أن لا يستحقّ تارك الفعل العقاب أصلا. لكن التالي باطل ، فالمقدّم مثله.
__________________
(١) في ( ط ) : القبيح.
(٢) أيّ المحقّق السبزواري.