بيان الملازمة يحتاج إلى تمهيد مقدّمة ، هي : أنّ (١) الطالب للشيء في زمان معيّن إذا لاحظ أن في ذلك الزمان يتصوّر أحوال مختلفة يمكن وقوع كلّ منها ، فإمّا أن يريد الإتيان بذلك الشيء في ذلك الزمان على أيّ تقدير من تلك التقادير ، أو يريد الإتيان به فيه على بعض تلك التقادير. وهذه المقدّمة ظاهرة بعد التأمّل التامّ وإن أمكن المناقشة والتشكيك في بادئ النظر. ولا ينتقض بالجزء والكلّ حيث لا يمكن تقييد وجوب الكلّ بوجود الجزء ولا يعمّم وجوده بالنسبة إلى حالتي وجود الجزء وعدمه ، لأنّ مرادنا بالحالات ما كان مغايرا له.
وإذا تمهّد هذه فنقول : إذا أمر أحد بالإتيان بالواجب في زمانه ، وفي ذلك الزمان يمكن وجود المقدّمات ويمكن عدمها ، فإمّا أن يراد الإتيان به على أيّ تقدير من تقديري الوجود والعدم ، فيكون في قوّة قولنا : إن وجدت المقدّمة فافعل وإن عدمت فافعل ، وإمّا أن يراد الإتيان به على تقدير الوجود. والأوّل محال ، لأنّه يستلزم التكليف بما لا يطاق ، فثبت الثاني ، فيكون وجوبه مقيّدا بحضور المقدّمة ، فلا يكون تاركه بترك المقدّمة مستحقّا للعقاب ، لفقدان شرط الوجوب ، والفرض عدم وجوب المقدّمة فانتفى استحقاق العقاب رأسا (٢).
والجواب عن ذلك ، أمّا أوّلا : فبأنّه لم يعقل لنا الفرق في جريان الدليل بين القول بوجوب المقدّمة والقول بعدم وجوبها. و (٣) للمعترض أن يقول : إنّ الطالب لشيء على تقدير تعلّق طلبه بمقدّماته ، إمّا أن يريد ذلك الشيء على تقديري الوجود والعدم بالنسبة إلى الامور المطلوبة الموقوف عليها أو على تقدير الوجود فقط ، فعلى الأوّل يلزم عدم العقاب على الواجب المطلق ، وعلى الثاني يلزم التكليف بالمحال.
__________________
(١) في ( ط ) زيادة : الآمر.
(٢) رسالة مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٥١ ـ ٥٢.
(٣) في ( ط ) : إذ.