لا يقال : ما ذكر غير موجّه على القول بالوجوب ، إذ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة متعلّقة بعينها بالمقدّمات ، فيكون على القول بالوجوب بمنزلة نفس الواجب ، فلا يصحّ الاستفسار المذكور ، كما عرفت نظيره في الأجزاء.
لأنّا نقول : لا يخفى على أوائل العقول فساد هذه المقالة ، إذ كيف يصحّ تعلّق صفة واحدة بأمرين مع اختلافهما في الموصوفيّة بهما؟ كأن يكون اتّصاف أحدهما بها بواسطة اتّصاف الآخر بها ولم يكن أحدهما في عرض الآخر.
نعم ، يصحّ ذلك فيما إذا كانت نسبتها إلى أحدهما حقيقة وإلى الآخر نسبة عرضيّة مجازيّة. وبعبارة اخرى : أنّ وجوب المقدّمة موصوف بالغيريّة ووجوب ذيها موصوف بالنفسيّة ، وهذان الوصفان متضادّان ، ولا يعقل أن يكون وجوب شخص واحد موصوفا بهما.
ومن هنا تعرف فساد ما أورده في الأجزاء ، لأنّ الإرادة المتعلّقة بالجزء من حيث هو جزء لا بدّ وأن يكون غير الإرادة المتعلّقة به من حيث إنّه متّحد مع الكلّ ، فيصحّ الاستفسار ، غاية ما في الباب أنّ الوجوب النفسي ثابت للجزء من حيث كونه في ضمن الكلّ ، كما نبّهنا عليه فيما تقدّم.
فإن قلت : فرق بين اشتراط الشيء بأمر جائز وبين اشتراطه بأمر واجب ، فإنّ الأوّل لا يعقل العقاب فيه ، أمّا على المشروط فلانتفاء الشرط ، وأمّا على الشرط فلكونه جائزا ، بخلاف الثاني ، فإنّ فيه العقاب قطعا.
قلت : ذلك واه جدّا! إذ الكلام في صحّة العقاب على المشروط ، والعقاب على ترك واجب وهو الشرط ممّا لا مدخل له في العقاب في واجب آخر ـ وهو المشروط ـ إلاّ بالقول بأنّ المقدّمة واجبة دون ذيها. وفساده غنيّ عن البيان.
وأمّا ثانيا : فبأنّه لو صحّ ما ذكر في الاستدلال لزم أن لا يقع الكذب في