قلت : إنّ انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد وتحقّقها فيه كاف في الصحة وانتزاعها ، ولا حاجة إلى اعتبار أمر خارج عن الأمر المتعلّق بالطبيعة في الفرد حتّى يتّصف بالصحّة ويكون موردا لانتزاعها ، بل وهذا هو الوجه في اتّصاف الفرد بالصحّة ولو في غير الأفراد المحرّمة.
فإن قيل : إنّ اجتماع المصلحة والمفسدة التي هما جهتا ثبوت الوجوب والحرمة أيضا ممتنع ، والفرد المحرّم لا بدّ وأن يكون مجمعا لهما وإن لم يجتمع فيه الوجوب والحرمة.
قلنا : إن اريد بالمصلحة والمفسدة الحسن والقبح الفعليّان فلا نسلّم اجتماعهما في الفرد ، فإنّ اجتماعهما في الفرد يوجب اجتماع الوجوب والحرمة ، فإنّهما علّتان تامّتان لهما ، والمفروض عدم اجتماعهما. وإن اريد وجود الجهات المقتضية للحسن والقبح ، فلا نسلّم امتناع اجتماعهما ، كيف! وهو معلوم لا ينبغي التأمّل في ثبوته ، كما يلاحظ في الأدوية المضرّة للسوداء النافعة لما يضادّها ، وفي الأغذية النافعة لبعض الأمراض والموجبة لبعض آخر ، فإنّ كلّ ذلك ممّا يشاهد بالوجدان ، وليس فيه استحالة من حيث اجتماع الحب والبغض في الفرد. والسرّ في ذلك : أنّ متعلّق الحبّ والبغض هو نفس تلك الجهات ، ولا سراية إلى ما (١) يشتمل على تلك الجهات.
والجواب عن ذلك يظهر بعد تمهيد مقدّمة ، وهي : أنّ الحق ـ كما عليه المحقّقون (٢) ـ وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ، ومعنى وجوده هو أنّ الصورة الكلّية المطابقة لكثيرين المنتزعة من الصورة الشخصيّة الحاضرة في الخيال بتجريدها عن
__________________
(١) في ( ع ) : ما لا يشتمل.
(٢) انظر شرح المنظومة للسبزواري : ٢١.