بيانه : أنّ اجتماع الضدّين يتصوّر على وجهين ، أحدهما : أن يكون شيء واحد شخصي باعتبار جهة واحدة متّصفا بالمتضادّين كالسواد والبياض مثلا. وثانيهما : أن يكون شيء واحد شخصي مصداقا لطبيعتين متغايرتين مفهوما ، ويكون كلّ واحدة من تينك الطبيعتين محلاّ لواحد من الضدّين. ولا فرق في الاستحالة بين القسمين ؛ ضرورة أنّ المتّصف بالضدّين على الثاني أيضا هو المصداق ، فإنّ الوجوب والحرمة كالبياض والسواد والحركة والسكون من الأوصاف اللاحقة للماهيّة باعتبار الوجود ، ولا ريب أنّ الطبيعتين متّحدتان وجودا وإن اختلفتا مفهوما.
وبعبارة اخرى : أنّ جهة اختلافهما ـ وهي جهة ملاحظتهما في الذهن على وجه التغاير ـ لا مدخل لها في اتّصافهما بالضدّين ، لأنّ الضدّين على ما هو المفروض من الأوصاف الخارجية للماهيّة. وجهة اتّحادهما ـ وهي مقارنتهما في الوجود الخارجي واتّحادهما فيه كما يكشف عنه حمل إحداهما (١) على الاخرى ـ يوجب المحذور المحال ؛ وعلى ذلك نقول : إنّ حصول الطبيعة المأمور بها في الفرد المحرّم كاف في الامتناع ؛ لأنّ ذلك أيضا من اجتماع الضدّين.
وقد يوجّه : بأنّ ذلك من اجتماع الضدّين في مورد باعتبار اتّصاف المورد بأحدهما بنفسه وبالآخر باعتبار حصول الطبيعة الاخرى فيه ، فإنّ ما نحن فيه يكون اتّصاف الفرد بالحرمة بنفسه ـ فإنّ النهي في الفرد المحرّم عيني ـ وبالوجوب باعتبار الصدق. والأقوى ما ذكرنا ؛ لأنّ الفرد المحرّم اتّصافه بالحرمة أيضا باعتبار الصدق ، كما لا يخفى.
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الطبيعتان كلتاهما عرضيّتين للمورد الجامع بينهما ، أو إحداهما ذاتيّة والاخرى عرضيّة ، أو كلتاهما ذاتيّتين ، إلاّ أنّه لا يعقل
__________________
(١) أي : إحدى الطبيعتين ، وفي ( ع ) ، ( م ) : أحدهما على الآخر.