ما عرفت من أنّ الاستصحاب إنّما هو مأخوذ طريقا ولا تأثير له في الواقع ، وبعد كشف الخلاف لا وجه لالتزام الصحّة. وقد مرّ في مباحث الإجزاء (١) ما يوضّح المقام ، فراجعه.
وأمّا المتكلّمون فيحتمل أن يكون مرادهم من « الأمر » الأعمّ من الظاهري والواقعي من حيث إنّ نظرهم إنّما هو في الفعل من حيث إنّه يترتّب عليه الثواب والعقاب ، وموافقة الأمر الظاهري يحتمل أن يكون منشأ للثواب كما أنّ مخالفته يحتمل العقاب وإن كان التحقيق قد يقضي بخلافه.
ومن هنا يظهر أنّ اختلاف الفقهاء والمتكلّمين في معنى « الصحّة » و « الصحيح » ليس اختلافا في المعنى ، بل معنى « الصحيح » ليس إلاّ ما هو المراد منه في العرف واللغة ويعبّر عنه بالفارسيّة بـ « درست » وحيث إنّ الأنسب بمقاصد الكلام هو البحث عن الفعل من حيث إنّه منشأ للثواب والعقاب فلذلك عبّر أهله عن الصحيح بما يوافق الأمر والشريعة ، والأنسب بمقاصد الفقه هو البحث عن الفعل من حيث إنّه يوجب فراغ الذمّة ولذا عبّر أربابه عنه بما يوجب سقوط القضاء ، فلا وجه لما قد يظهر منهم من الاختلاف بينهم على وجه لا يشعر باتّحاد المعنى حقيقة.
والإنصاف أنّ الثمرة أيضا غير موجودة بينهما ، فإنّ التفكيك في غاية البعد.
ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ المناط في الاتّصاف بالصحّة في سقوط القضاء هو مطابقة الأمر الظاهري ، فلا إشكال في صحّة اتّصاف الفعل بالصحّة بعد مطابقته للأمر الظاهري.
وأمّا لو قلنا بأنّ المناط فيه هو مطابقة الأمر الواقعي فهل يصحّ الاتّصاف قبل انكشاف الخلاف أو لا يصحّ؟ وعلى الأوّل فبعد انكشاف الخلاف هل يحكم بالفساد
__________________
(١) راجع الصفحة ١٤٦.