عبد بن ابي سلمة (عبد بن أم كلاب) حين سألته عن خبر المدينة وهي قافلة من مكة فقال لها : قتلوا عثمان فمكثوا ثمانياً ، قالت : ثم صنعوا ماذا؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك (١) ردّوني ردّوني! فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً (٢) والله لأطلبن بدمه! فقال لها : ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر! قالت : انهم استتابواه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول (٣) فقال لها
____________________
(١) من الحق أن نسائل أم المؤمنين عن سبب رفضها القاطع والحازم لأن يلي الأمر أمير المؤمنين عليهالسلام؟ أهو لحنكة سياسية خاصة منها؟ أم هو لشيء مكنون في قلبها على أمير المؤمنين عليهالسلام؟ فإن قال القوم بأنها حنكة سياسية فلنا أن نستفسر عن هذه الحنكة التي أكلت آلاف المسلمين بلا موجب حقيقي ، فلو كان الأمر مقروناً بشكل حقيقي بدم عثمان فإن أغلب من كان في معركة الجمل لا دور له بمقتل عثمان لا من قريب ولا من بعيد ، فما ذنب هؤلاء في أن يعرّوضوا للقتل؟ وبعهدة من سيكون دمهم؟ وأي حنكة يمكن لها أن تتبلور من موقفها هذا وهي ترى أن الأمور قد بدت مستوسقة لتمرد أعداء زوجها بالأمس القريب كبني أمية ومروان؟!
أما إن كان هذا الأمر يعود لشيء في قلبها ـ وهو المتعيّن لما سيأتي ـ فإن الحقد والغل والضغينة والرين هي صور كبيرة من صور الرجس الذي يعتمل في القلوب ، فهل يريد القوم حينما يقولون بأن الله امر الأزواج بالتطهر وإذهاب الرجس القول بأنها لم تتطهر ولم تذهب الرجس من قولها فكانت ممن لم تختر الله ورسوله في أعمالها؟!!
(٢) يلاحظ انها كانت علمت بالخبر للتو ، وما أن أخبرها الرجل بمجيء من يفترض انه على الأقل شريكها في آية التطهير وفق كلام القوم!! حتى سارعت لاعلان مظلومية عثمان والنوح على دمه بعد فتواها بهدر هذا الدم ، أتراها فعلت ذلك لو جاء إلى سدة الحكم ابن آكلة الأكباد معاوية ، أو طريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مروان بن الحكم؟! فلنعم القاضي ونعم الحكم!!
(٣) لعمري من الذي قال : إن دماء المسلمين وفتنتهم تمثل نزهة بين يدي أم المؤمنين؟ =