وداهمهم منع الخلفاء المتعاقبين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من تدوين السنة إلى زمن عمر بن عبد العزيز ، ما عدا فترة خلافة الأمير (صلوات الله عليه) مما أحال الكثير منها إلى دائرة النسيان ، وفتح الكثير من بوابات الكذب على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يكن العامل السياسي بطبيعته هنا مغيّباً ، بل كان له الحضور الفاعل ، فعمل على تحديد طبيعة المروي وحجمه ، مما اضطر القوم إلى اعتماد اسلوبين لم يكن أحدهما أخطر على السنة من الآخر ، وهما :
الأول : توسعة حدود السنة لتشمل كل مرويات الصحابة ، وتدخل عمل الصحابي في إطارها ، مما أضاف إلى السنّة حدوداً جديدة تماهت معها الحدود الأصلية لها.
والثاني : إدخال طرق استنباط بشرية لتحديد التشريع ، وهو من مترتبات الأسلوب الأول ، وهكذا حظي أهل الإسلام بسنة جديدة لا علاقة لها في غالب الاحيان بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن الواضح إن مفاد الخبر يثير حقيقة أن الأمة لن تضل ، ولكن واقع الحال ينبؤنا بشيء مختلف تماماً.
ب ـ إن السنة الحقيقية في محتواها الحقيقي هي صورة شارحة للكتاب ، أو قل هي نموذج تطبيقي للكتاب ، وبالنتيجة فالتفريق بينها وبين الكتاب لا ينطوي على ضابطة موضوعية للتفريق ، بينما نحن بحاجة إلى ضابط جديد نوعي في هويته التكوينية ، وهو في مؤاده يفترض أن يؤدي نفس مؤدى الضابط القرآني الجديد الذي رأينا الوحي يحدده بعد تحديده للمنذر : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) ، فالحاجة إلى جهة هدايةبعد وجود المنذر إنما هي تشخيص رباني ، وهذا التشخيص ليس من الاعتباط بمكان بحيث يمكن لأمة هذا المنذر أن تتخلى عنه ، ولو كانت السنة في الحدود التي
____________________
(١) الرعد : ٧.