يقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه ، وإن اخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن اخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل اموالهم ، وكنت امرأً مسكيناً ألزم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوماً : لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً ، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي صلىاللهعليهوسلم مقالته ، ثم جمعتها إلى صدري ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا!!. (١)
بل عليهم أن يولوا أمرهم عائشة التي رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله بحقها : خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء! (٢)
بل إن من أبعد ما ينبغي أن يبعدوا الأمر عنه سيكون عمر الذي طالما فوجىء بأمر من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يعلمه فيجادل فيه ثم يتبين له العكس وفق مرويات القوم من السنة ، كما حصل في قصصه مع أبي واقد الليثي وأبي
____________________
= عليها في التمجيد بأبي هريرة في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيره ، وهو هنا كما هو منطوق الخبر يعمد إلى تصوير فهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم للعلم وكأنه مادة ما إن يبسط أحدهم لها ثوبه حتى يستطيع أن يحمل العلم ولا ينساه ، ولعمري إن كان هذا الثوب ـ الاجانة! موجوداً لم اختص بأبي هريرة ولم يختص بغيره من الصحابة ، وفيهم من هو أكثر ملازمة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أبي هريرة! وفيهم من هو أقدم منه في الإسلام ، وإن كان الامر بهذه الطريقة من الافتراء على سنة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإني لا أدري لِمَ لمْ يعطوا هذا العلم لبعض الشخصيات التي بوؤها مقام العلماء وليست من العلم بمكان!! وعلى أي حال فإن صدق ـ وهو ليس بذاك ـ فلم منعه عمر من الرواية واتهمه!! ولمَ كان الناس يكذّبون أبا هريرة؟!
(١)كتاب البخاري المسمّى بالصحيح ٧٤ : ٣ ، محمد بن إسماعيل البخاري ؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول.
(٢) التعريفات : ٨٣ للشريف الجرجاني (ت ٨١٦ هـ) دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٥ ط ١.