اتجاهين وإن كانت بعض فرقهم الشاذة قد تذهب ببعض البعد عن هذا أو ذاك ، فلقد قالت الأشاعرة : إن العصمة في ما وراء التبليغ غير واجبة عقلاً (١) فيما منع المعتزلة وقوع المعصوم (وهو النبي عندهم) في الكبائر ، ولكنهم جوّزوا وقوعه في الصغائر التي لا حظ لها في تقليل الثواب دون التنفير حيث رأوا أن لا مانع يمنع منها. (٢)
ومن المعاصرين من تراه قد يذهب إلى أبعد من ذلك فتراه يوسع الدائرة عن الاتجاهين معاً فيرى في البداية بعض رأيهم في العصمة التبليغية ، ثم سرعان ما ينقضّ عليها فيبيح الخطأ حتى في دائرة التبليغ فتسمع داعية هذه الفكره يقول أولاً : لو فرضنا أن النبي أو الإمام يخطىء في أمور حياتية ، او أنه ينسى بعض الأشياء العادية ، يسهو في صلاته ، فإن العقل لا يحكم بامتناع الخطأ أو النسيان أو السهو في هذا المجال .. إلى أن يقول : إن العقل لا يحكم بضرورة ان يكون معصوماً في القضايا الأخرى كما إن النبي لا يفقد ثقة الناس به لمجرد خطأ هنا أو خطأ هناك ، مما لا يتصل بالقضايا الحيوية الأساسية التي تمسّ خط الاستقامة في الإيمان والإسلام ، وما إلى ذلك. (٣)
وتراه يعاود توسيع دائرة الخطأ عند المعصوم في تفسيره فيقول : إن من الممكن ـ من الناحية التجريدية ـ أن يخطىء النبي في تبليغ آية أو ينساها ، في وقت معين ليصحح ذلك ويصوّبه بعد ذلك ، لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة .. إلى أن يقول : إن قضية الغرض الإلهي في وصول الوحي في نهاية المطاف من غير خطأ ، ولكن لا مانع من حدوث بعض الحالات التي
____________________
(١) شرح المواقف للايجي (ت ٧٥٦) ٨ : ٢٤٦ للشريف الجرجاني (ت ٨١٢ هـ) وما يقرب منه في شرح المقاصد للتفتازاني (ت ٧٩٣) ٥٠ : ٥.
(٢) شرح الأصول الخمسة : ٥٧٣ ـ ٥٧٥ للقاضي عبدالجبار المعتزلي (ت ٤١٥ هـ).
(٣) فقه الحياة : ٢٧٢. في رحاب أهل البيت : ٤٠٤.