وما يطرحه من تناقضات هي عمليات كرّ وفرّ تقتضيها الأجواء الفكرية التي تحيط به ، ويدلل عليه أن الاحتمال الثاني يقتضي أن يكون هذا التناقض ينبعث من حالة جهل في ما يكتب ، والحال أن بعض ما في هذا التناقض من الوضوح الذي لا يخفى على غائر في الجهل ، والرجل لم يعرف بذلك.
والحالة الثانية وهي أن تكون هذه التناقضات حاكية ومعبرة عن جهل وسذاجة في طبيعة ما يطرحه هذا الرجل ، فهذه التناقضات تلحظ في بعض الأحيان في المباني النظرية التي تؤسس عليها هذه الأفكار ، وقد تلحظ في أحيان أخرى بصورة أكثر سذاجة ، فحديثه عن جبرية العصمة يبتني أساسه على قاعدة فكرية تنطلق من القول بجزافية الارادة الإلهية ، ومن قاعدة الترجيح بلا مرجح ، وهذه قواعد قد لا تكتشف سريعاً إلا لمن لديه خبرة أعمق في المسائل الفكرية ، ولكن نفس الحديث عن هذه الجبرية يتناقض بوضوح مع فكرته عن تدخّل الشيطان في داخل شخصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، (١) فموضع الجبر سينتفي مع وجود امكانية لدخول الشيطان في داخل الذات ، فالجبر إنما يكون ليصد الشيطان.
ومن هذا المنطلق قد يحار المرء المتجرد في كيفية تقييم فكر هذا الرجل ، ليخرج بجامع مشترك ما بين المتناثر من فكره بين صفحات عشرات كتبه ومئات النشرات الصادرة عنه ، ولكن النظر إلى مجموع أفكاره بصورة شمولية تجعل أمر تقييم هذا الفكر أكثر سهولة ، وهو أمر يمكن لمعالمه أن تتضح من خلال تبيان مرتكزاته العامة في شأن العصمة والتي نلخصها في التالي :
أ ـ الإيمان بوجود مائز بين الشخصية الرسالية ، وبين ذات المرسل على النحو الذي بيّناه في الفصل الأول من هذا الكتاب.
____________________
(١) انظر من وحي القرآن ١٠٠ : ١٦ ـ ١٠٣.