بها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فتوجه إليه الأمر من جهة ثانية ، وفي كلا الحالتين تتناقض الآية مع هذا الأمر أو تلك المواصفة ، فلا تغفل!!
على انه كان بإمكان الرسول حين جاءه الأعمى أن يستمهله برهة ، دون أن يعبس في وجهه وهو المألوف من أخلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم تألف الكتب الروائية سوء خلق وفظاظة من جانب ابن أم مكتوم وهو الأعمى إلى الحد الذي يجعله يقاطع حديث الرسول مع الآخرين ، بالصورة التي وصفها فضل الله وأمثاله ، ولم يك ذلك ببدع في أخلاق الرسول بحيث تغيب عن ذهن الرسول ولا تغيب عن أمثال هؤلاء المفسرين!!
ب ـ ولو وجّهنا العبوس بأنه يمثل خطأ سلوكياً مهما دق شأنه ، فما كان لفضل الله أن يطالبنا بأن لا تكون منطلقاتنا متشابهة مع منطلقات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لولا أنه يعتبر ما قام به الرسول يمثل خطأ ، فإنه في واقع الحال يمثّل انعكاساً محتماً لنوازع الجهل أو لتداعيات النزغ الشيطاني ، كما تقدّم في الحديث عن أسباب الخطأ ، وهذا ما لا يمكننا نسبته للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الوقت الذي صانه القرآن عن ذلك كله.
ج ـ قوله تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) كما أشرنا من قبل يفيد أن الذي تولّى قد خالف مهمتين أساسيتين من المهام الرسولية ، فالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هو من بعث لغرض التزكية فوصفه الله سبحانه بقوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) (١) ، وهو من وصف بالتذكير (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٢) ، ولهذا فإن الآية الكريمة لا بد وأن يكون خطابها لمن خالف هذه الأغراض ، فإذا كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مكلّفاً بها ، فهل نقول بأنه لم يعمل بتكاليفه؟! أم أن الأولى حمل الآية على غيره؟!
____________________
(١) الجمعة : ٢.
(٢) الغاشية : ٢١.