ونظرة بهذا الإجلال لمقام النبوة والأنبياء كيف يمكن لهشام أن يرويها إن كانت عقيدته خلاف هذا الإجلال والاعظام؟!
ولهذا تراه حينما يتحاجج مع المتكلمين من علماء المذاهب ومتكلميهم يجاهر بعقيدته فيقول : إنه لا بد لهم من عالم يقيمه الرسول لهم (أي للناس) لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرأٌ من الخطايا ، يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد. (١)
وحين تكون عقيدته مقوّمة بالأصل على فعل الرسول وقوله في شأن الإمامة ، فكيف يمكنه أن يعتقد أنه هذا الرسول يجوز عليه الخطأ والمعصية في الوقت الذي لو جاز ذلك عليه لجاز على قوله في نفس الإمامة؟!
وكان بالإمكان توجيه كلام الأشعري لو لم يصنّف هذا القول ضمن فرق الشيعة ، فمن المعروف أن هشاماً قبل أن يتحول إلى الإمامية كان مضطرب العقيدة فتراه مجسّماً جهمياً ، ولكنه في مطلع شبابه التقى بالإمام الصادق عليهالسلام ومن يومها تحوّل عن عقائده تلك وراح ينافح عن الإمامية وعقائدهم ، فلربما كان يعتقد بذلك أيام كان جهمياً وإن لم يرد ذلك في مصدر معتبر ، ولكن تصنيف الأشعري لذلك في تصنيفاته للفرق الشيعية يبعد مثل هذا التوجيه ، ويبرز مدى تهاون الأشعري في أداء دوره العلمي لا سيما في مجال نقله عن الآخرين ، وهو المدى الذي ينعكس بالنتيجة على مجمل أفكاره وعقائده!!
ومن الواضح أن هشاماً الذي كان القوم يتلظون من حميم محاججاته وجحيم مجادلاته لهم قد وقع ضحية لتشويهات مقصودة ، فهذه المجادلات والتي كان شطر منها لكبار المعتزلة ومتكلميهم كعمرو بن عبيد ونظرائه ، قد سمح لتلامذهم ومتبعيهم أن ينصروا لأساتذهم المتهاوين أمام قرع حججه
____________________
(١) أنظر كمال الدين وتمام النعمة : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ب ٣٤.