وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١) وكذا الآية المباركة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) ، ولا بد من التوقف عند هذا النور المجعول للمتقين للتعرف على حقيقته ، ولا بد من استيعاب السبب الذي جعله مرتبطاً بالمشي دون غيره ، ولربما تدلّنا الايتان المباركتان التاليتان على بعض من طبيعة وخصائص هذا النور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٣) وقوله جلّ من قائل : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) (٤) ، ففي الآية الأولى يؤتى المتقين فرقاناً ، وهذا الفرقان هو الذي يفرق أمامهم بين الحق وبين الباطل ، دون أن نجد أي مجال للتوقف في صورة هذا الفرقان عند حدود الذنوب والآثام ، بل إن الاطلاق الذي ميز كلمة الفرقان يجعلنا نتيقن أن المراد هو امتداده ليشمل حتى الأخطاء في التعامل مع الواقع وما يماثلها ، ومن توابع الآية نجد أن المجال لنفوذ مسارب الخطايا والأخطاء (٥) تتضيق مع تكفير الله تعالى لسيئاتهم ، وغفرانه لهم ، ولهذا فإن المتقي كلما ولج في دائرة التقوى بشكل أعمق كلما حظي بنور أكبر وأغلق وراءه البوابات التي يمكن للخطايا أن تنفذ منها ، بينما تتخصص الآية
____________________
(١) الأنعام : ١٢٢.
(٢) الحديد : ٢٨.
(٣) الأنفال : ٢٩.
(٤) الاسراء : ٨٠.
(٥) تحدثنا في ما سيأتي أن مصادر الخطايا والأخطاء خمسة : هي الجهل والشيطان وأهواء النفس وإمكانات الطبيعة والعلاقة مع الآخرين ، ضمن تفصيل يأتي في محله.