والتجار أحببنا الدنيا؟ قال : فقال أبوجعفر عليهالسلام : إنما هي القلوب مرة تصعب ومرة تسهل.
ثم قال أبو جعفر عليهالسلام : أما إن أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قالوا : يا رسول الله نخاف علينا النفاق قال : فقال : ولم تخافون ذلك؟ قالوا : إذ كنا عندك فذكّرنا ورغّبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا كأنّا نعاين الآخرة والجنة والنار ، ونحن عندك ، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيان والأهل يكاد ان نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك ، وحتّى كأنّا لم نكن على شيء؟ أفتخاف علينا ان يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلا ، إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا ، والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء. (١)
ومن يلحظ حقيقة التلاقي بين الأنبياء والأئمة والأولياء كل بحسبه مع عوالم الملكوت لإدرك هذه الحقيقة ، فهي وإن عدت من المعجزات كما في أذهان الكثيرين ، إلا انها تطرح من وجهة نظر فلسفية بحتة حقيقة الامكانية التي جبل عليها عالم الإنسان مع عوالم الملكوت ، من حيث قابلية الإنسان للارتقاء إلى عالم الملكوت ، وعدم رفض هذا العالم بعنوانه عالماً من النور لانضمام الإنسان إليه لو ارتقت حقيقته من الظلمانية إلى النورانية ، وهو الأمر الذي وعد به الله سبحانه وتعالى كما تصوّره الآية الكريمة : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (٢) ، ولو لا حظنا التفاوت بين مفردات هذا التلاقي ، لأدركنا مرجعية هذا التفاوت إلى الملكات والمؤهلات الذاتية التي يتمتع بها هذا الإنسان أو ذاك ، فلو نظرنا إلى التفاوت في لقاء مريم عليهاالسلام ـ كمثال ـ مع عوالم الملكوت بحيث انها كانت تتغذى من السماء (فَتَقَبَّلَهَا
____________________
(١) الكافي ٤٢٣ : ٢ ـ ٤٢٤ ب ١٨٦ ح ١.
(٢) البقرة : ٢٥٧.