العناصر الداخلية الأساسية في تشكّل الخطايا والآثام ، فما من مجال لدخول الشيطان ووساوسه إلى ذاتها ، وما من مجال لتحكّم أهواء النفس في نزعاته ورغباته ، وما من مجال لوجود الجهل في شخصيته ، كيف وقد قال الله سبحانه وتعالى إن الجهل من مختصات القلوب الزائغة ، وترك العلم مفتوحاً أما القلوب التي تخلصت من نير الزيغ وفقاً لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (١).
والعلم الرباني الذي وصف بأنه يبيّن كل شيء (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٢) هو الآخر متفاوت في نيله بين الناس ، وهذا التفاوت الذي تحدثنا عنه الآيات الكريمة : ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) (٣) ، وقوله تعالى : (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٤) ، وقوله تعالى : (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (٥) ، وهذا التفاوت في منح العلم المعبّر عنه بالبعضية في الآيتين الأولى والثانية ، وبالشمولية في الآية الأخيرة ، لا يمكن ان يعبّر إلا عن اختلاف المواصفات والمؤهلات الذاتية بين أفرادها.
ولهذا فكلما تكاملت حالة التقوى في الإنسان كلما تكاملت لديه الحالة العلمية المشار إليها في الآيات الأخيرة ، ومعه فلو تكاملت صورة التقوى ، لوجدنا تكامل اطلاع الإنسان على كل شيء ، واطلاعه على كلشيء سيتيح
____________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) النحل : ٨٩.
(٣) النمل : ٤٠.
(٤) الكهف : ٦٥.
(٥) الرعد : ٤٣.