له التعرف على حقائق الأشياء ومنها الذنوب والخطايا ، وهذه المعرفة ليست كمعرفتنا بها ، بل بصورتها الواقعية والحقيقية ، ومثاله نتلمسه في الآية القرآنية التي تتحدث عن الغيبة (وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (١) فمعرفتنا نحن بالغيبة تتمثل في ما نقرأه ونلمسه من الآثار الاجتماعية والأخلاقية للغيبة ، ولهذا تجد الكثير من المطلعين على الشؤون المحرمة للغيبة لا يتناهون عنها ، ولكن من يطلع على الغيبة بالهيئة الحقيقية التي تصورها الآية الكريمة ، أي إن الإنسان يلوك ما بين أسنانه لحم أخيه الميت ، ودماؤه تتقاطر من بين الأنسان وتتناثر بين الجوف وما يخرج من الفم وتعلوا الشفتين لتتقاطر منها على الذقن ومنه إلى البدن!!
أقول : من يرى الغيبة بهذه الهيئة ، وهي بهيئتها الحقيقية في عالم الملكوت كيف يمكن له أن يتقرب منها؟! وهكذا فمن أوتي العلم الملكوتي فإنه يرى الذنوب والأخطاء بهيأتها الحقيقية ، وفي هذا المجال لدينا روايات كثيرة تحكي هذا المفهوم بصورة أو أخرى ، ومنها ما يرويه أديم بياع الهروي قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : بلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول : إن الله يبغض البيت اللَحِم ، قال : إنما ذلك البيت الذي يؤكل فيه لحوم الناس ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لَحِماً يحب اللحم ، وقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تسأله عن شيء وعائشة عنده ، فلما انصرفت وكانت قصيرة ، قالت عائشة بيدها (٢) تحكي قصرها ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تخللي ، قالت : يا رسول الله وهل أكلت شيئاً؟ قال لها : تخللي ، ففعلت فألقت مضغة عن فيها. (٣)
* * *
____________________
(١) الحجرات : ١٢.
(٢) قال بالشيء : فعل به.
(٣) المحاسن : ٤٦٠ ـ ٤٦١ «كتاب المآكل» ب ٥٤ ح ٤١٠ لأبي جعفر أحمد بن محمد ابن خالد البرقي (ت ٢٧٤ هـ) ؛ مطبعة رنگين ـ طهران ط ١.