ولهذا وصف النص القرآني عملية التبليغ بالصفاء الكامل والصدق الكامل ، فالرسول لا ينطق ـ حين ينطق ـ إلا عن وحي السماء الذي لا يمكن أن يلتقي في قلب يعمره هوىً غير هوى الله سبحانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) (١) لأنها لا تحتمل غير ذلك الصدق ، فبدونه ينتفي وجود الرسول : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ). (٢)
٢ ـ إلتزام المرسلين الكامل بما أرسلوا به ، فعدم الالتزام من قبلهم يقدح مرة بالذي أرسلهم ؛ فالرسالة إما أن تكون قابلة للتطبيق ، فالمطلوب أن ترسل بيد من يلتزم بها وهو مقتضى حكمة المرسل ، فإن لم يكن جديراً بذلك ، وكان ثمة من هو أجدر منه ، فالأجدر أولى بالرسالة من الذي لا جدارة لديه ، وهذا مقتضى عدل المرسل.
ويقدح أخرى بهم لأنه يسلبه مصداقية الرسالة من جهة ، ولأن الأمر الإلهي سيتناقض كما رأيناه في الأمر الأول لأن الخلق مكلّف بالتأسي بالرسول ، فهل يتأسون بمخالفته لرسالته؟!
ولهذا تجد النص القرآني في الوقت الذي يشخّص فيه وجوب التأسي والاقتداء بالأنبياء والمرسلين كقوله سبحانه وتعالى في حديثه عن الأنبياء : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (٣) وكذا قوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (٤) فإنه يسمي هذا الرسول بالرحمة النازلة على العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَة
____________________
(١) النجم : ٣ ـ ٤.
(٢) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.
(٣) الأنعام : ٨٩ ـ ٩٠.
(٤) الأحزاب : ٢١.