لِلْعَالَمِينَ) (١) ولا يمكن للرسول أن يكون رحمة للعالمين إلا من خلال توافق سلوكه مع الرسالة. (٢)
وهذا الفهم العقلاني المتناسب مع النص القرآني ، مثلما نرى ضروريته في أنبياء الله عليهمالسلام ، فإنه ضروري في الهداة الذين جعل القرآن الكريم وجودهم ضرورة رسالية لا مندوحة عنها أيضاً بقوله تعالى : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٣) فالعصمة إذا كانت ضرورية للرسول بسبب وجود الرسالة وخصوصيته فيها ، فهي ضرورية مرة أخرى لمن يخلف الرسول على رسالته لتعلّق نفس الضرورة بهم ، إذ لا فرق بينهما إلا في طبيعة الصفة فذاك رسول وهذا هادٍ. (٤)
ولو أردنا تطبيق الأمر على رسولنا الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا يتوهمنّ أحد في أن الرسالة هي هذا الكتاب بكلماته وألفاظه المعهودة فقط ، حتى يمكن الاكتفاء به دون الحاجة إلى خليفة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في هداية الأمة ، فالكتاب الكريم وإن حوى علم كل شيء وبيّن ذلك العلم لقوله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (٥) غير إن احتواءه لهذا العلم شيء ، ومعرفة مكنونات هذا العلم الذي فيه شيء آخر ، إذ يحتاج إلى عالم رباني به ليكشف هذه المكنونات ، وقد عبّر القرآن عن إنّ هذه المكنونات لا يحيط بها الإنسان العادي ، ولا يستطيع بسبب وجود خاصية عدم الصفاء الكامل لقبله والمعبّر عنها الزيغ ، بل تحتاج إلى المعصوم ، فقوله
____________________
(١) الأنبياء : ١٠٧.
(٢) أورد علماؤنا الكثير من الأدلة العقلية والنقلية على ثبوت العصمة من طرق أخرى ننصح بمراجعتها ففيها الكثير مما لا يستغنى عنه من العلم.
(٣) الرعد : ٧.
(٤) يمكن مراجعة تفصيل هذا الأمر في كتابينا : القائد والقيادة والانقياد في سيرة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام (١٩٨٨م) والإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس (١٩٩٩م).
(٥) النحل : ٨٩.