بخلاف فعل الواجب.
ويندفع الأوّل ـ مع ابتنائه على عدم اشتمال الوجوب على مفسدة الترك وإلاّ فيدور الأمر بين دفع مفسدة الفعل ودفع مفسدة الترك ولا مرجّح للأوّل ـ : بأنّ المفسدة الاخرويّة مدفوعة بحكم العقل المستقلّ على ما تقدّم ، والمفسدة الدنيويّة لا جهة لتقديم دفعها في بناء العقلاء على جلب المنفعة إلاّ وجوب دفع الضرر الّذي يستقلّ به العقل ، فيختصّ بما إذا كان الضرر مقطوعا أو مظنونا أو محتملا بالاحتمال الموجب للخوف ، وهو في المقام ليس بشيء من ذلك ، لأنّ القطع بأحد الحكمين الغير المشتمل أحدهما على ضرر لا يوجب القطع بضرر الآخر ولا الظنّ به ، ولا كون احتماله موجبا لخوف النفس ، لوضوح أنّ فرض الوجوب بعد البناء على خلوّه عن مفسدة الترك مع التحريم بعد القطع بأحدهما ليس إلاّ كفرض الإباحة أو الاستحباب معه بعد القطع بأحدهما في مسألة الدوران بين الحرمة وغير الوجوب في عدم استلزامه شيئا من القطع والظنّ والخوف فليتدبّر. وبهذا كلّه يظهر اندفاع الثاني.
ويندفع الثالث أوّلا : بالوجوب التوصّلي لحصول المقصود منه بالفعل مع القصد ومع الغفلة.
وثانيا : بأنّه لا يتمّ إلاّ على تقدير عدم جواز المخالفة القطعيّة العمليّة ، لكون الفعل مع الغفلة مخالفا لكلّ من الوجوب والحرمة وقد عرفت منعه.
وثالثا : بأنّه على فرض تماميّته إنّما ينهض لنفي تعيين الأخذ بالوجوب لا لنفي التخيير بينه وبين الأخذ بالتحريم.
ومن جميع ما بيّنّاه علم أنّه لا دليل من عقل ولا نقل على وجوب الأخذ بأحدهما على وجه التخيير إلاّ توهّم أنّه انقياد للشارع وهو واجب عقلا.
ويدفعه : أنّ الانقياد إن أريد به الوصف النفساني أعني كون العبد مع مولاه في مقام الإطاعة ، فهو حاصل في المقام بالقياس إلى الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال ، لأنّه عبارة عن كون العبد ملتزما بموافقة جميع ما صدر من المولى وبلغ إليه من الأوامر والنواهي ، وهو لا يقضي بوجوب كلّ واحد من الأخذ باحتمال التحريم والأخذ باحتمال الوجوب على البدل على أنّه الحكم الظاهري المجعول لنحو هذه الواقعة وإن اريد به نفس الإطاعة بمعنى موافقة الأمر والنهي فهي غير ممكنة وغير حاصلة بالتخيير المذكور ، أو بمعنى عدم المخالفة فهو فرع توجّه الخطاب الواقعي وقد عرفت منعه بما لا مزيد عليه.