لا يقال : إنّ الواقعة من حيث اشتباه حكمها الواقعي لا بدّ وأن تشتمل على حكم مجعول يتديّن به في مقام العمل ، ويلزم ممّا ذكرت من نفي الإباحة وتعيين الأخذ بالتحريم [ أ ] والتخيير بينه وبين الأخذ بالوجوب إخلاؤها عن هذا الحكم.
لأنّا نقول : غاية ما يسلّم بمقتضى الضرورة والإجماع والأخبار المتواترة إنّما هو عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الواقعي المجعول ، وأمّا خلوّها عن الحكم الظاهري المجعول فلا دليل على امتناعه ، مع أنّ مرجع ما بيّنّاه إلى نفي الدليل على أحد الأحكام الثلاث المذكورة على التعيين لا نفي جميعها بحسب الواقع ، واللازم من ذلك التوقّف عن الحكم الظاهري أيضا بعد التوقّف عن الحكم الواقعي.
نعم لو كانت الشبهة ناشئة عن تعارض خبرين أحدهما دالّ على الأمر والآخر على النهي مع استجماعهما لشرائط الحجّية اتّجه فيها القول بالتخيير ، لكن لا بين الأخذ بالتحريم والأخذ بالوجوب من حيث احتمال الحكم الواقعي لأحدهما ودورانه بينهما ، بل من حيث إنّ وجوب العمل بخبر الواحد الجامع للشرائط بمقتضى أدلّة حجّيّتة حكم اصولي يتساوى نسبته إلى كلا المتعارضين ، باعتبار كونهما فردان من العنوان العامّ الّذي دلّ الدليل على هذا الحكم في جميع أفراده ، واتّفق من جهة تنافي مدلوليهما عدم إمكان العمل بكلّ منهما بعينه مع فقد المرجّح لأحدهما على صاحبه ، فالعقل المستقلّ يحكم بالتخيير بينهما على معنى وجوب العمل بكلّ منهما في تلك الواقعة على البدل حذرا عن طرح أدلّة الحجّية والترجيح من غير مرجّح ، كحكمه بالتخيير في إكرام زيد وعمرو إذا وجب بمقتضى عموم « أكرم العلماء » واتّفق لعارض تعذّر الجمع بينهما في الإكرام ، وكحكمه أيضا بالتخيير في مسألة تزاحم الواجبين المضيّقين إذا لم يكن أحدهما أهمّ في نظر الشارع ، ويدلّ عليه أيضا ما ورد في بعض الأخبار العلاجيّة من قوله عليهالسلام : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك الله (١) » وإطلاقه يتناول ما لو تعارض الخبران في الوجوب والتحريم ، وهذا التخيير يستتبع التخيير في المسألة الفرعيّة بين الأخذ بالوجوب الّذي هو مؤدّى أحد الخبرين والأخذ بالتحريم الّذي هو مؤدّى الخبر الآخر ، ثمّ بناء العمل على ما أخذ.
ولا يمكن إجراء هذا الحكم في مطلق صور دوران الحكم بين الوجوب والتحريم
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١٩.