بتوهّم توسيط تنقيح المناط ، بدعوى كون مناط الحكم في الخبرين هو القطع بصدور شيء من الإمام مع الشكّ في الصادر ، وهو موجود فيما نحن فيه لمكان القطع بصدور الحكم الإلزامي مع الشكّ في الصادر ، لمنع كون الحكم المذكور منوطا بما ذكر بل الحكم الاصولي المنتفى نحوه فيما نحن فيه ، مع تطرّق المنع إلى القطع بالصدور في الخبرين بل غايته كونه قطعي العمل ، وهذا حكم يتساوى نسبته إليهما فيؤول أمره إلى التخيير نظير أمرين بمتضادّين ممتنع الجمع بينهما في الامتثال ، بل لا يمكن إلحاق ما نحن فيه بمسألة رجوع المقلّد إلى مجتهدين عند اختلافهما في الرأي ولو بالوجوب والتحريم المحكوم عليه بالتخيير ، فإنّ وجوب رجوع العامي إلى الفقيه الجامع للشرائط حكم ثبت بالنصّ والإجماع ، ومع تعدّد الفقهاء وتساويهم واختلافهم كان الحكم المذكور على التخيير بحكم العقل ، على حدّ ما لو أمر السيّد عبده بالرجوع إلى الطبيب مع تعدّد الأطبّاء وتساويهم.
ثمّ على تقدير القول بالتخيير بمساعدة دليل عليه فهل هو في ابتداء الأمر فلا يجوز له العدول عن المختار الأوّل إلى غيره أو مستمرّ ما دام العمر فيجوز العدول مطلقا؟ وجهان من مدرك حكم العقل بالتخيير فإن كان مدركه الانقياد بمعنى الوصف النفساني الّذي يتمّ بمجرّد الالتزام أيضا فهو لا يأبى الاستمرار ، وإن كان الانقياد بمعنى نفس الإطاعة وعدم المخالفة ومرجعه إلى المنع عن المخالفة القطعيّة فهو لا يتمّ إلاّ بالتخيير البدوي.
وقد يستدلّ عليه أيضا بقاعدة الاحتياط بمعنى اقتضاء الشغل اليقيني ليقين البراءة ولا يتأتّى إلاّ بالاستمرار وعدم العدول عن المختار ، واستصحاب الحكم الفرعي وسائر الآثار المترتّبة عليه بعد الاختيار.
ويضعّف الأوّل بل الثاني بابتنائهما على الشكّ المخصوص بالأحكام التوقيفيّة ، والتخيير المذكور عقلي ولا يعقل للعقل شكّ في قضيّة حكمه ولا إهمال في حكمه ، كما يضعّف الثاني أيضا بمعارضة استصحاب التخيير الثابت قبل الاختيار الوارد على الاستصحاب المذكور.
هذا كلّه بالقياس إلى المجتهد ، وأمّا المقلّد الّذي وظيفته الرجوع إلى المجتهد إذا رجع إليه للاستفتاء عن حكم نحو هذه الواقعة فهل يفتيه بالتخيير مطلقا أو بما أخذه واختاره أو يفصّل فيفتيه بما أخذه إن كان بناؤه على التخيير البدوي وإلاّ فبالتخيير ، وجوه.
والتحقيق أنّه لا يفتيه إلاّ بما اختاره من وجوب أو تحريم ، وذلك لأنّ التخيير المذكور