من الأحكام الاصوليّة الّتي لا يشاركه المقلّد فيها ، والأظهر من دليله أنّه بدوي ، واختيار المجتهد هاهنا ينزّل منزلة ظنّه الاجتهادي بوجوب شيء أو تحريمه في كونه ملزما للفعل أو الترك عليه وعلى مقلّده ، بصيرورة مظنونه أو مختاره حكم الله الفعلي في حقّهما ، فكما ينتظم عنده في صورة استقرار ظنّه بالوجوب أو التحريم مقدّمتان قطعيّتان بهذه الصورة « هذا مظنوني ، وكلّ مظنوني حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي » فكذا فيما نحن فيه بعد اختياره أحد الحكمين ينتظم عنده نحو هاتين المقدّمتين بهذه الصورة « هذا مختاري ، وكلّ مختاري حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي » أمّا كونه حكم الله في حقّه فلدليل التخيير وكونه بدويّا ، وأمّا أنّه حكم الله في حقّ المقلّد فلأدلّة اشتراك التكاليف والأحكام بينه وبين المجتهد من الضرورة والإجماع وغيرهما من غير فرق فيه بين الأحكام الواقعيّة النفس الأمريّة والأحكام الظاهريّة.
ثمّ ينبغي أن يعلم أنّ موضوع المسألة في شبهة الوجوب والتحريم ما لم يكن الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر لعدم دليل على التعيين ، أو إجماله كالأمر المجرّد عن قرينة التعيين إن قلنا باشتراكه بين الإيجاب والتحريم ، أو تعارض الدليلين ، وأمّا لو كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عنه في الآخر فهو خارج عن مسألة الدوران لارتفاع الشبهة بالأصل الرافع للشكّ السببي ، وذلك كالصلاة عند ضيق الوقت في المسجد مكان إزالة النجاسة الموجودة في جدار المسجد من خارج المشكوك في وجوبها ، بناء على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ فيشكّ في وجوب هذه الصلاة للشكّ في حرمتها من جهة النهي الضمني المشكوك فيه من جهة الشكّ في وجوب إزالة نحو هذه النجاسة ، فإذا دفع احتمال التحريم بأصالة البراءة عن وجوب الإزالة تعيّن الوجوب بلا إشكال.
وكالشكّ في وجوب غسل الجنابة وحرمته في نهار رمضان إذا انحصر طريقه في الارتماس ـ على القول بعدم إبطاله الصوم ـ عند دخول وقت الصلاة ، فإنّ الشكّ في حرمته باعتبار حرمة الارتماس مسبّب عن الشكّ في وجوبه ، لوضوح أنّه لو كان واجبا لم يكن الارتماس في هذه الصورة حراما لعدم جواز اجتماع الأمر والنهي ، فلو دفع وجوب الاغتسال في هذه الحالة بأصل البراءة تعيّن التحريم بلا إشكال.
ولو فرض أصل لفظي في مورد رافع للشكّ عن التحريم مثلا تعيّن الالتزام بالوجوب أيضا ، كالشكّ في وجوب الصلاة في مكان مغصوب في آخر الوقت وحرمتها بناء على