كلّيّة الكبرى المذكورة ـ لا بدّ له من فارق ، وهو إمّا اللغة بدعوى أنّ الخمر مثلا قد اخذ في وضعه لغة ما لا يوجد في المعلوم بالإجمال وهو العلم التفصيلي.
أو العرف بدعوى أنّه في حيّز الخطاب ينصرف عرفا إلى المعلوم بالتفصيل.
أو العقل بدعوى أنّه يقبح التكليف بالمعلوم بالإجمال كما أنّه يقبح التكليف بالمجهول الصرف ، ومرجعه إلى القول بكون شرط تنجّز التكليف عند العقل العلم التفصيلي بموضوعه.
أو الشرع بدعوى أنّ الشارع دلّنا على أنّ المعلوم بالإجمال في حكم المجهول في عدم توجّه الخطاب فيه إلى المكلّف ، استنادا في ذلك إلى ما تقدّم من قوله عليهالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو حلال ذلك حتّى تعرف الحرام بعينه (١) » وقوله عليهالسلام أيضا : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه (٢) » فإنّه ظاهر كالصريح في الشبهات الموضوعيّة ، وبعمومه يشمل ما نحن فيه لعدم حصول معرفة الحرام بعينه.
والسرّ في انحصار الفارق في هذه الوجوه الأربع هو أنّ قوله تعالى : « حرّمت عليكم الخمر » مثلا عامّ في جميع أفراد الخمر ومصاديقه ، وعدم اندراج شيء فيه لا يخلو من أن يكون لخروج موضوعي أو لخروج حكمي من باب التخصيص ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون خروجه عن الموضوع لأمر لغوي أو لأمر عرفي ، وعلى الثاني إمّا أن يكون التخصيص لمخصّص عقلي أو شرعي ، ولا سبيل إلى شيء من هذه الوجوه.
أمّا على الجملة : فلأنّها متشاركة في نتيجة واحدة هي مع بطلانها في نفسها خارجة عن المتنازع وعن مفروض الكلام ، لما بيّنّا أنّ مرجع البحث في حجّيّة العلم الإجمالي إلى أنّ المعلوم بالإجمال مع كونه حراما في الواقع هل هو حرام في الظاهر أيضا ليجب الاجتناب عنه أو لا؟
وبعبارة اخرى : أنّ ما فرض فيه من الحرمة الواقعيّة هل لزمها بسبب العلم الإجمالي حرمة فعليّة شاغلة لذمّة المكلّف ، عليها مدار الإطاعة والمعصية واستحقاق الثواب والعقاب على الموافقة والمخالفة أو لا؟ فيجوز له الارتكاب كائنا ما كان ، ولا يعصى به ولا يعاقب عليه ، فالحرمة الواقعيّة ثابتة فيه بالفرض ومفروغ عنها. والكلام إنّما هو في
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث الأوّل.
(٢) الوسائل : ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤ ، مع تفاوت.