موضع مخالفة الحكم الظاهري المجعول له على وجه يستند هذه الامور إلى الشارع ، بل هو فوات لمصلحة الترك ووقوع في مفسدة الفعل ، وعدم حصول لغرض الشارع مستند إلى جهل المكلّف مع عدم كونه مقصّرا في جهله ، ولذا كان الجهل عذرا في نظر العقل سواء رجع مفاد الجعل المذكور بالنسبة إلى الجاهل إلى بدليّة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي ، أو إلى طريقيّة الطرق الظاهريّة إلى الحكم الواقعي ، مع تطرّق المنع إلى لزوم هذه الامور بلا بدل بعد الالتزام بلزوم مراعاة الجاعل في البدل مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة المبدل ، أو ما وقع فيه المكلّف من مفسدة مخالفة الواقع ، أو مراعاته في سلوك الطريق المجعول مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع كما قرّر في محلّه.
وبذلك يندفع السؤال عن أنّه إذا بنى على جعل الحكم الظاهري كان وجوب الاحتياط أولى بأن يجعل حكما ظاهريّا للجاهل بالحكم الواقعي ، لما في سلوك الاحتياط من عدم فوات مصلحة الواقع أصلا وعدم الوقوع في مفسدة مخالفته رأسا.
لأنّ استدراك مثل المصلحة قائم مقام استدراك نفس المصلحة ، وبه يرتفع حزازة فوات نفس المصلحة. مع ما في الإلزام على سلوك الاحتياط من إيقاع المكلّف في المشقّة ، وكونه طريقا لا يرغب فيه أكثر النفوس لما فيه من المشقّة ، فيلزم من جعله طريقا أو الإلزام به كون ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ، بخلاف جعل طريق يتضمّن سلوكه مصلحة يتدارك بها المصلحة الفائتة مع كونه ممّا يرغب إلى سلوكه جميع النفوس ، ولا يصحّ جعل نحوه للعالم بالإجمال ، لأنّ البدل الاضطراري إنّما يصحّ بدليّته عند تعذّر المبدل ، وهو غير متعذّر في حقّ العالم بالإجمال ، لمكان علمه وانكشاف الواقع له على وجه يتمكّن من الخروج عن عهدته ، وبعد اتّفاق طريق العلم له لا حاجة له إلى جعل طريق ظاهري يقوم مقامه ، ولذا كان ترخيصه في الارتكاب إذنا له في المخالفة القبيحة فيقبح صدوره من الشارع الحكيم.
فإن قلت : قد ذكرت أنّ الإذن في المخالفة إنّما يقبح على الحكيم إذا كان المأذون فيه مخالفة في نظر المكلّف لا مطلقا ، وإنّما يكون كذلك حيث علم المكلّف بتحقّق المخالفة حين الارتكاب ، سواء كان الارتكاب بنفسه مخالفة أو متضمّنا لها لا محالة ، وهذا إنّما يلزم في الشبهة المحصورة في صورة ارتكاب جميع أفراد المشتبه دفعة واحدة ، وأمّا في صورة ارتكابها على التدريج فلا ، لأنّ المكلّف عند كلّ ارتكاب لا يعلم كونه بالخصوص مخالفة.