نعم بعد جميع الارتكابات يحصل له العلم بتحقّق المخالفة في بعضها ، فلا قبح في إذن الشارع في هذه الارتكابات.
وبالجملة : القبيح إنّما هو الإذن في المخالفة الحاصلة حين الارتكاب مع علم المكلّف بها حينه ، لا المخالفة اللازمة من التدريج مع علم المكلّف بحصولها في ارتكاب لا يعلمه بالخصوص وأنّه الارتكاب الأوّل أو الأخير أو المتوسّط بينهما.
قلت : إنّ المكلّف لعلمه الإجمالي بوجود الحرام المنجّز ـ لتوجّه الخطاب إليه باجتنابه ـ يعلم من حين الارتكاب الأوّل بكون أحد هذه الارتكابات مخالفة ، وهذه المخالفة المعلومة المردّدة أيضا قبيحة عقلا ، فيقبح على الشارع تجويزها ، فهو لبنائه من حين الشروع في الارتكاب الأوّل على جميع الارتكابات المتدرّجة مقدم على المخالفة القبيحة ، فإذن الشارع في كلّ ارتكاب يوجب الإذن في القبيح العقلي أيضا.
سلّمنا أنّه ربّما لا يعزم ابتداء إلاّ على الارتكاب الأوّل ثمّ يبدو له بعده الارتكاب الآخر وهكذا إلى آخر الارتكابات.
لكنّا نقول : إنّه كما يقبح إذن الشارع في ارتكاب القبيح العقلي ، فكذلك يقبح إذنه في فعل ما حكم العقل بتعيّن تركه وفي ترك ما حكم العقل بتعيّن فعله ، وستعرف أنّ العقل لمقدّمة الخروج عن عهدة الخطاب الفعلي بالاجتناب على وجه اليقين يحكم بتعيّن الاجتناب عن كلّ فرد من أفراد المشتبه.
فإن قلت : لو قبح مخالفة العلم الإجمالي وقبح من الشارع الإذن فيها لم يقع في الشرع كثيرا ، وقد وقع في مواضع عديدة.
منها : في مسألة ما لو أقرّ بمال معيّن لزيد ثمّ أقرّ به أيضا لعمرو ، فإنّ الحاكم يأخذ المال لزيد وقيمته لعمرو ، وأذن فيه الشارع أيضا مع علمه بأنّ أحدهما أخذ للمال بالباطل.
ومنها : أنّه لثالث أن يأخذ المال من يد زيد وقيمته من يد عمرو ويتصرّف فيهما معا ، وأذن فيه الشارع مع علمه بأنّ أحد الأخذين تصرّف في مال الغير بغير إذنه.
ومنها : مسألة ما لو قال : « هذا لزيد ، بل لعمرو بل لخالد » فإنّ الحاكم يلزمه لكلّ من عمرو وخالد بتمام القيمة ، مع علمه بعدم اشتغال ذمّته في الواقع بكلّ من العين والقيمتين.
ومنها : ما لو تداعيا في عين فحكم الحاكم بالتنصيف بينهما مع علمه بعدم كونها إلاّ لأحدهما.
ومنها : ما لو كان لأحد الودعيين درهم ولآخر درهمان فتلف أحد الدراهم عند