السابق وإثباته للاّحق فيلغى نفيه لكونه إنكارا بعد الإقرار ، ويؤخذ بإثباته فيكون إقرارا آخر ولا محلّ له إلاّ القيمة فيحمل عليها لأحد الوجهين أيضا.
وفي المثال الأخير لمّا انجرّ الأمر إلى التحالف وحلف كلّ من المتبايعين يقتضي وقوع العقد على ما وقع عليه الحلف ، ولا يمكن العمل بهما معا والترجيح بلا مرجّح غير جائز ، ولا بدّ من رفع التنازع ولا مناص له إلاّ الحكم بانفساخ العقد ، فهو انفساخ من الشارع ، ولازمه عود كلّ من المبيع والثمن إلى مالكه الأوّل ، فتصرّف البايع فيما عاد إليه وتصرّف المشتري أيضا فيما عاد إليه أيضا تصرّف في ملكه ، وليس فيه مخالفة لعلم تفصيلي ولا إجمالي.
وأمّا الثاني : ففي مسألة تنصيف الدرهم وتنصيف العين المتنازع فيها ، فإنّ العلم الإجمالي إنّما لا يجوز مخالفته ويقبح إذن الشارع في مخالفته حيث أوجب تنجّز التكليف وتوجّه الخطاب بالاجتناب بالفعل ، وإنّما يكون كذلك ـ على ما أشرنا إليه سابقا ـ حيث أمكن العمل به بإمكان الامتثال إذا كان في الموضوع ، وهو في المسألتين ونظائرهما ممّا لا يمكن العمل به ، فلا ضير في مخالفته ولا قبح في الإذن فيها أيضا.
وتوهّم أنّ التصرّف في أحد النصفين تصرّف في مال الغير ، يدفعه : أنّ حكم الحاكم لمّا كان رفعا لذات البين فحكمه بالتنصيف يجري مجرى الصلح ، فهو صلح إلزامي من الشارع.
وإن شئت قلت : إنّه صلح قهري والصلح من النواقل والمملّكات ، فالنصف الصائر إلى أحد المترافعين الّذي ليس له ذلك في الواقع صار ملكا له في الظاهر بمقتضى هذا الصلح.
غاية الأمر كونه ملكا ظاهريّا ، فتصرّفه فيه تصرّف في ملكه ويجوز له سائر التصرّفات الناقلة وغيرها.
وعلى هذا القياس جميع ما يرد عليك من الأمثلة ممّا توهّم كونه نقضا للقاعدة ، فإنّ الضابط في منع الجميع أحد الأمرين من منع صغرى المخالفة للعلم الإجمالي أو منع كبراها ، فليتدبّر.
ولا فرق في قبح المخالفة القطعيّة وحرمتها عقلا وشرعا بين ما لو كان المعلوم بالإجمال فردا من عنوان محرّم واحد كالخمر ، أو فردا مردّدا بين عنوانين محرّمين كالخمر والعصير العنبي بعد الغليان ، خلافا لما عن صاحب الحدائق (١) من الفرق بينهما في الشبهة فأوجب الاجتناب في الفرد من الخمر دون الفرد المردّد بين الخمر والمغصوب أو العصير.
__________________
(١) الحدائق ١ : ٥١٧.