إلاّ وجوب الاجتناب عن الحلال أيضا.
وقوله عليهالسلام في المرسل الآخر : « واتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس (١) » فإنّ الحلال المشتبه بالحرام لا بأس به والحرام به بأس فيجب الاجتناب عن الأوّل أيضا حذرا عن ارتكاب الحرام.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآله في خبر التثليث : « من ركب الشبهات وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم (٢) » بناء على أحد وجوهه المتقدّمة من كون المراد من الوقوع في المحرّم الوقوع الحقيقي الدائمي ، فلا ينطبق إلاّ على الشبهة المحصورة ، ضرورة أنّ من ارتكب جميع أطراف الشبهة ـ كما هو قضيّة عموم « الشبهات » ـ وقع في الحرام الواقعي المعلوم وجوده فيها ، وقوله : « هلك من حيث لا يعلم » يدلّ على توجّه الخطاب بالاجتناب عنه ، لكون الهلاك كناية عن العقاب الاخروي.
ومنها : الاستقراء الّذي أخذه بعضهم دليلا مستقلاّ على المطلب ، وحيث إنّه بمكان من الضعف عندنا لعدم غلبة يعتدّ بها فيما نصّ الشارع بوجوب الاجتناب عنه بالخصوص من أفراد الشبهات المحصورة أخذناه مؤيّدا ، لعدم ثبوت هذا النصّ إلاّ في عدّة موارد لا تبلغ حدّ الغلبة ، كالانائين المشتبهين أحدهما نجس حيث أمر الشارع باهراقهما ، والصلاة في الثوبين المشتبهين ، ووجوب غسل الثوب من الناحية الّتي علم إصابة النجاسة لبعضها.
ووجه التأييد : أنّه يستشمّ من هذه الموارد أنّ بناء الشارع في الشبهة المحصورة على ايجاب الاجتناب عن الجميع.
فظهر بجميع ما ذكر فساد القول بجواز الارتكاب إلى أن يبقى مقدار الحرام كما هو خيرة بعض الأعلام ، مع عدم مستند له يصلح للاعتماد عليه ، عدا ما يستفاد من تضاعيف عباراته من الاستدلال على جواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام من أنّه ارتكاب بما لم يعرف حرمته بعينه فيكون جائزا للأصل ، وعلى عدمه في الباقي بأنّه كما أنّ ارتكاب الحرام المتيقّن حرام فتحصيل اليقين بارتكاب الحرام أيضا حرام ، قال : « وتحريمه من هذه الجهة ، فارتكاب الفرد الآخر الّذي يوجب العلم بارتكاب الحرام الواقعي مقدّمة لتحصيل اليقين بارتكابه ، ومقدّمة الحرام حرام (٣) » ولا خفاء في ضعفهما.
أمّا الأوّل : فلأنّ هذا القائل إمّا أن يقول بتنجّز التكليف في واقعة العلم الإجمالي أو لا ،
__________________
(١) ورد ما يقرب منه في البحار ٧٧ : ١٦٦ ، الحديث ١٩٢ ، وتحف العقول : ٦٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤٠٩ ، ح ٤٢١٥.
(٢) الوسائل ١٨ : ١١٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.
(٣) القوانين ٢ : ٢٥.