والتحقيق على ما يقتضيه ظاهر النظر : أنّه لا ينبغي التأمّل في جواز ارتكاب الكلّ من غير إبقاء لمقدار الحرام فيما لم يعزم من أوّل الأمر على ارتكاب الكلّ ، إذ لا مانع منه إلاّ توهّم لزوم المخالفة القطعيّة وهي قبيحة عقلا وشرعا.
ويدفعه : أنّ القبيح إنّما هو مخالفة الخطاب المتوجّه إلى المكلّف ، والتكليف الفعلي الشاغل لذمّته ، وضابطه كونها بحيث يترتّب عليها العقاب ، فإمّا أن يدّعى القطع في الشبهة الغير المحصورة بتوجّه الخطاب واشتغال الذمّة فيجب التزام وجوب الموافقة القطعيّة باجتناب الكلّ فضلا عن حرمة المخالفة القطعيّة ، أو يدّعى القطع بعدمه فيجب التزام جواز ارتكاب الكلّ من دون إبقاء لمقدار الحرام وإن تضمّن مخالفة الحكم الواقعي بعنوان القطع من دون عقاب عليه ، أو يدّعى الشكّ في توجّه الخطاب وعدمه فهو يوجب الشكّ في التكليف في كلّ ارتكاب حتّى الارتكاب الأخير الّذي هو ارتكاب لمقدار الحرام.
وقضيّة الشكّ في التكليف جريان الأصل ، فيجب الالتزام أيضا بجواز ارتكاب الكلّ من دون عقاب على المخالفة اللازمة منه بعنوان القطع الحاصل بها بعد جميع الارتكابات.
وبالجملة لا قبح في مخالفة حكم واقعي لم ينعقد تكليفا فعليّا ، أو لم يظهر للمكلّف انعقاده تكليفا فعليّا بطريق شرعي ، فلا مقتضي لوجوب إبقاء مقدار الحرام. إلاّ أن يقال : إنّ مدرك جواز الارتكاب في الشبهة الغير المحصورة إن كان هو الإجماع فهو قائم على عدم وجوب اجتناب الكلّ ، وهو لا يستلزم جواز ارتكاب الكلّ ، والقدر المتيقّن من معقده هو ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ، فيجب الاقتصار عليه.
وإن كان لزوم العسر والحرج فهو إنّما يلزم في اجتناب الكلّ فينفى عنه التكليف الإلزامي ، وهو أيضا لا يستلزم نفيه عمّا لا عسر فيه أصلا وهو الاجتناب عن مقدار الحرام ، وإن كان هو الأصل فهو أيضا لا يجري في مقدار الحرام ، وذلك لأنّ العقل يجوّز توجّه الخطاب مع العلم الإجمالي المفروض ، مع تجويزه كون الشارع إنّما أسقط اعتبار الموافقة القطعيّة لما لزمها من العسر والحرج ونحوه ، وكثيرا مّا يكتفى عنها بالموافقة الاحتماليّة ولا يلزم من إسقاط اعتبارها فيما نحن فيه إسقاط اعتبار الموافقة الاحتماليّة ، وهي تحصل بإبقاء مقدار الحرام ، فارتكاب الكلّ ممّا يجوّز العقل فيه العقاب ، وهو احتمال الضرر الاخروي فيجب دفعه عقلا ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بعدم ارتكاب البعض تحصيلا للموافقة الاحتماليّة.
ومنه يظهر الحكم فيما لو عزم من ابتداء الأمر على ارتكاب الكلّ بقصد التوصّل إلى