لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما ، كالمرويّ عن محاسن البرقي عن أبي الجارود « قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني عمّن رأى أنّه يجعل فيه الميتة؟ فقال : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض ، فما علمت فيه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البريّة وهذه السودان ... » إلى آخره (١).
فإنّ قوله عليهالسلام : « أمن أجل مكان واحد » الخ ظاهر في أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته ، كما أنّ قوله : « والله ما أظنّ كلّهم يسمّون » ظاهر في إرادة العلم بعدم تسمية جماعة من البريّة والسودان في ذبائحهم.
وفيه أيضا ضعف واضح ، لمنع الدلالة والظهور المدّعى ، بل الظاهر من قوله : « مكان واحد يجعل فيه الميتة » ناحية يعلم تفصيلا بأنّ أهلها يجعلون الميتة في الجبن ، وهذا لا يوجب الاجتناب عن جبن الأمكنة الاخر الّتي لا يعلم ذلك من أهلها ، فمورد الخبر خارج عمّا نحن فيه.
ولو سلّم كون المكان عبارة عن نفس الجبن الّذي جعل فيه الميتة ، فالمراد به ما يعلم كونه كذلك تفصيلا ، فلا تعلّق له بما نحن فيه أيضا.
وظهور قوله : « والله ما أظنّ » فيما ذكر أيضا واضح المنع ، لعدم كونه من منطوق هذا الكلام ولا مفهومه ، بل الظاهر منه نفي اعتبار العلم بالتذكية في إباحة اللحم ، بل يكفي فيها مجرّد وجوده في سوق المسلمين ما لم يعلم عدم التذكية.
فالعمدة في دليل المطلب هو الأصل والإجماع ، وقد ظهر منهما عدم وجوب الموافقة القطعيّة للعلم الإجمالي الموجود في الشبهة الغير المحصورة.
وإذا ثبت جواز الارتكاب فيها فهل يجب إبقاء مقدار الحرام المشتبه أو لا ، بل يجوز ارتكاب الجميع مطلقا حتّى مقدار الحرام وإن استلزم ارتكاب الحرام الواقعي ، أو يفصّل بين ما لو عزم على ارتكاب الجميع من أوّل الأمر فيجب إبقاء مقدار الحرام وعدمه فيجوز ارتكاب الجميع ، أو أنّه في صورة العزم على ارتكاب الجميع يفصّل أيضا بين ما لو قصد من ارتكاب الجميع التوصّل به إلى ارتكاب الحرام الواقعي ، بأن يكون ارتكاب الكلّ مقدّمة للحرام فلا يجوز أصل الارتكاب ، وعدمه فيجوز ويجب إبقاء مقدار الحرام ، وجوه.
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٩١ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٥ ، المحاسن ٢ : ٢٩٦.