ويدفعه : أنّك إمّا أن تقول بحجّية العلم الإجمالي أو لا ، فعلى الثاني كما لا يجب الموافقة فلا يحرم المخالفة أيضا.
وعلى الأوّل لا مناص من التزام وجوب الموافقة أيضا ، ولا يتأتّى إلاّ بإتيان الجميع ، فالإتيان بالجميع إنّما لا يجب بالخطاب الأصلي لا أنّه لا يجب مطلقا.
إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي وإن كان وجوب مراعاة الموافقة القطعيّة ، إلاّ أنّ الشارع اكتفى عنها بالموافقة الاحتمالية الّتي تحصل بأحد المحتملات.
أو يقال : إنّ الشارع جعل الصلاة إلى القبلة الاحتماليّة بدلا عن الصلاة إلى القبلة الواقعيّة ، والإتيان بما احتمل كونه الفائتة بدلا عن قضاء الفائتة الواقعيّة.
وقضيّة ذلك هو الاكتفاء بإحدى المحتملات أيضا.
لكن يزيّفه : أنّ كلاّ من الأمرين حكم مخالف للأصل والقاعدة ، فلا بدّ عليه من دليل عقلي أو شرعي وليس ، بل العقل على ما عرفت بالنظر إلى قاعدتي المقدّمة ودفع الضرر قاض بخلافه ، فإنّ ما قرّرناه من الدليل على وجوب الاحتياط بالجمع بين المحتملات دليل عقلي.
وإن شئت سمّه بقاعدة الاشتغال أو قاعدة المقدّمة العلميّة أو قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، لأنّ في ترك كلّ من المحتملات احتمال الضرر فيجب دفعه ، والضرر هنا اخرويّ وهو العقاب ، لعدم الدليل على قبحه من عقل ولا نقل بعد العلم الإجمالي.
ويؤيّد ما ذكرناه ورود النصّ بالجمع المذكور في كلّ من مسألتي اشتباه القبلة واشتباه الفائتة.
وأمّا ما يقال في دفعه على تقدير رجوعه إلى قاعدة الاشتغال من أنّ اليقين بالاشتغال إنّما يقتضي يقين البراءة في مقدار ما تيقّن اشتغال الذمّة به ، وليس إلاّ صلاة واحدة ، والأصل براءة الذمّة عن الزائد.
ففيه : أنّه كلام يذكر فيما دار الأمر من الشكّ في المكلّف به بين الأقلّ والأكثر لنفي التكليف بالزائد على الأقلّ ، وهو في هذه الصورة في غاية المتانة ، لأنّ القدر اليقيني هو الأقلّ والزائد مشكوك ينفي بالأصل ، ومحلّ الكلام من دوران الأمر بين المتبائنين ، والمراد به ما كان المكلّف به أمرا معيّنا في الواقع مردّدا في نظر المكلّف بين أمرين أو امور متبائنة ، ولا يجري فيه الكلام المذكور ، لأنّ يقين الاشتغال بذلك المعيّن الواقعي يستدعي يقين البراءة عنه ، ولا يحصل إلاّ بأداء جميع الامور المردّد فيها ، فالّذي يوجب الجمع بين المحتملات فإنّما يوجبه بخطاب تبعي لا أصلي ، حتّى يقال : بأنّ القدر الثابت هو اشتغال