لا تجب إلاّ مقدّمة لها ، بل الأصل عدم الأمر فلا يشرع الدخول في مقدّمات الفعل » انتهى (١).
فإنّ تنجّز الأمر بالعصر بعد دخول الوقت المشترك ممّا لا ينبغي الاسترابة فيه. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
وخامسها : أنّه إذا سقط من محتملات الواجب ما هو بمقدار الواجب على معنى سقوط وجوب الإتيان به ، فهل يجب الإتيان بالباقي أو لا؟
فنقول : إنّ سقوط البعض قد يكون عقليّا كما لو تعذّر أحد المحتملات لضيق وقت أو مانع خارجي فحكم العقل بسقوط وجوبه ، وقد يكون شرعيّا بمعنى أنّ الشارع أسقط وجوبه ، وعلى التقديرين فالساقط قد يكون واحدا معيّنا ، وقد يكون واحدا لا بعينه على وجه رجع مفاده إلى التخيير في ترك أحد المحتملات ، فالصور أربع :
أمّا الصورة الاولى : وهي ما لو سقط واحد معيّن بسقوط عقلي لتعذّره ، كما لو أمر المولى بإطعام زيد فاشتبه زيد بين أربعة لم يتمكّن من إطعام واحد معيّن منهم ، فما يتراءى في بادئ النظر بحكم الأصل الأوّلي هو الحكم بعدم وجوب الباقي ، لارتفاع العلم الإجمالي المتعلّق بالواقع بالنسبة إلى الباقي بسبب سقوط مقدار الواجب الواقعي ، فيدور الواجب الواقعي بين المقدور وغير المقدور ، فلا يدرى أنّ الواجب الواقعي هو الباقي المقدور ليجب الإتيان به ، أو غيره فلا يجب الإتيان بالمقدور ، فيؤول الشكّ إلى أنّ المقدور واجب أو لا؟فيكون في أصل التكليف ، وقد مرّ أنّ الشكّ إذا كان في التكليف فالأصل البراءة.
وأمّا الصورة الثانية : وهي ما لو سقط واحد غير معيّن عقلا لتعذّره ، فما يتراءى أيضا في بادئ النظر هو عدم الوجوب ، لعين ما ذكرناه من أول الشكّ بالنسبة إلى الباقي إلى التكليف ، إذ لا يعلم أنّ الساقط بعد الاختيار هل الواجب الواقعي أو غيره ، فارتفع العلم الإجمالي بالنسبة إلى الباقي.
لكن يشكل الحال بالنظر إلى ظاهر كلام الفقهاء في مسألة اشتباه القبلة لمن فرضه الصلاة إلى الجهات الأربع إذا لم يتّسع الوقت لضيقه الأربع ، فحكموا بوجوب الإتيان بما يحتمله الوقت ، ولو لم يتّسع إلاّ من جهة واحدة تخيّر في الإتيان بها إلى أيّ جهة شاء.
والمحقّق في المعتبر عمّم الحكم بالنسبة إلى سائر الأعذار العقليّة بقوله : « وكذا لو منعت ضرورة من عدوّ أو سبع أو مرض » (٢) ويظهر من غيره الموافقة له في هذا التعميم
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٣١٤.
(٢) المعتبر : ١٤٥.