الثالث : أن يتعمّد الزيادة على أن يكون الزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه في الأثناء أو بعد الفراغ ، كما لو قرأ سورة ثمّ بدا له أن يقرأ سورة اخرى اقتراحا أو للاستعجال أو نحو ذلك ، فهل تبطل العبادة بالزيادة في جميع هذه الصور ، أو لا تبطل في شيء منها ، أو تبطل في بعض دون آخر؟
فالّذي يتراءى في بادئ النظر هو عدم البطلان مطلقا ، لأنّ البطلان لا بدّ له من موجب وهو إمّا من جهة استلزام الزيادة لوقوع خلل في المأمور به بحسب جزئه المادّي باعتبار رفعها قيدا وجوديّا أو عدميّا معتبرا مع الجزء وهو الوحدة أو عدم الزيادة ، أو جزئه الصوري باعتبار قطعها الهيئة الاتصاليّة المعتبرة فيما بين الأجزاء.
ويندفع توهّم الاخلال في القيد الوجودي أو العدمي بأنّه مبنيّ على ثبوت كون كلّ جزء من أجزاء المأمور به مقيّدا في لحاظ الشارع بقيد الوحدة وبقيد عدم الزيادة وهو أوّل المسألة ، كما يندفع توهّم الاخلال في الجزء الصوري بأنّ القاطعيّة ليست أمرا منضبطا ثابتا على وجه كلّي في كلّ ما تخلّل بين أجزاء الصلاة إلاّ ما خرج بالدليل ، ليندرج فيه زيادة الجزء بكلّ من صورها الثلاث المتقدّمة ، بل هو حكم تعبّدي ثابت في بعض الأشياء ، ولذا يقطعها البكاء للدنيا ولا يقطعها البكاء للآخرة ، ويقطعها كلام الآدميّين ولا يقطعها الذكر المطلق ، ويقطعها الفعل الكثير الغير الماحي ولا يقطعها قتل العقرب ، وهكذا.
فدعوى كون زيادة الجزء أيضا من القواطع تحتاج إلى ثبوت وهو أوّل المسألة.
ولكنّ الّذي يتراءى في ثاني النظر هو البطلان مطلقا ، وذلك لأنّ الصحّة الّتي هي في العبادات مقتضى الأمر لا بدّ لها من موجب لا البطلان ، وهو مع زيادة الجزء بأحد الاعتبارات الثلاث غير متحقّق ، فإنّ العبادات مركّبات متلقّاة من الشارع ، فوجب الاقتصار فيها على الهيئات المشروعة ، والقدر المقطوع به من الهيئة المشروعة هي الهيئة الحاصلة في أجزاء المركّب باعتبار عدم اشتمالها على زيادة شيء منها بأحد الاعتبارات الثلاث.
وأمّا الهيئة الحاصلة منها باعتبار اشتمالها على الزيادة المغايرة للهيئة الاولى فليست من الهيئة المشروعة ، إمّا لتبيّن عدم مشروعيّتها أو للشكّ في مشروعيّتها باعتبار الشكّ في شمول الأمر الوارد بالمركّب في قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) لها وعدمه ، فوجب الرجوع إلى أصل الاشتغال ، وهذا يقتضي عدم الزيادة أصلا ، أو عدم الاقتصار على
__________________
(١) البقرة : ٤٣ ، ٨٣.