لدليل شرعي ، فصدق الرفع بحسب العرف منوط بثبوت الشيء المرفوع فعلا أو شأنا ، وبدون أحدهما لا معنى للرفع ، ورفع المؤاخذة إذا كان بواسطة انتفاء الإلزام فلا مقتضي لثبوتها فهي ليست بثابتة فعلا ولا أنّ من شأنها الثبوت ، فلا معنى لرفعها حينئذ.
قلت : شأنيّة الثبوت قد تتأتّى بوجود المقتضي لوجود الشيء ، فيكون المؤاخذة المرفوعة ممّا من شأنه الثبوت باعتبار كون الإلزام المرفوع ممّا من شأنه الثبوت ، لوجود المقتضي لوجوده وهو العمومات المثبتة للتكاليف الإلزاميّة في الأفعال والتروك ، فإنّها بعمومها تشمل موارد الخطأ والنسيان وغيرهما ، فيصدق الرفع بوجود هذا المقتضي ولا حاجة إلى مقتضي آخر ، وهذا هو الوجه في صدق الرفع في محلّ النسخ ، لأنّ شأنيّة ثبوت الحكم المنسوخ في زمان ورود الناسخ إنّما هو باعتبار عموم الخطاب الأوّل بحسب الأزمان.
ثمّ إنّ رفع الإلزام قد يكون باعتبار خلوّ الواقعة عن الحكم رأسا ، وقد يكون باعتبار خلوّ ذمّة المكلّف عن الحكم الإلزامي وإن اشتملت الواقعة عليه في الواقع. والرواية إنّما تنهض مدركا لأصل البراءة لو كان مفادها رفع الإلزام على الوجه الثاني لا مطلقا.
وبيان ذلك : أنّ الواقعة إذا اخذت مقيسة إلى ذمّة المكلّف المختلف حالاته لا تخلو عن صور أربع :
الاولى : أن تكون خالية عن الحكم الإلزامي بأن لم يجعل لها في الواقع حكم إلزامي ، على معنى عدم كون حكمها المجعول إلزاميّا كالمباحات ، بل المندوبات والمكروهات أيضا.
الثانية : أن تكون ذمّته خالية عن الحكم الإلزامي المجعول للواقعة ، على معنى عدم توجّهه إليه وعدم تعلّقه به لعذر من الأعذار ، كما في المجنون والناسي والنائم والغافل في موارد التكاليف الإلزاميّة ، فإنّ سقوط التكليف عن المجنون مثلا ليس معناه خلوّ الواقعة بالنسبة إليه عن الحكم الإلزامي بالمرّة ، بل خلوّ ذمّته عن هذا الحكم الإلزامي لكون الجنون عذرا مانعا عن توجّهه إليه وتعلّقه به.
الثالثة : اشتمال الواقعة على الحكم الإلزامي واشتغال ذمّة المكلّف به أيضا مع عدم العقاب على مخالفته ، لثبوت العفو الحتمي عنه.
الرابعة : الصورة بحالها مع ترتّب العقاب على المخالفة ، ومؤدّى أصل البراءة بملاحظة أنّه لا يتعرّض الواقع بإثبات ولا نفي إنّما هو نفي الحكم الإلزامي على الوجه المذكور في الصورة الثانية ، وصراحة الرواية أو ظهورها في رفع المؤاخذة يوجب خروج الصورة