وبالجملة لا فرق بين عبادات الجاهل بعد إحراز قصد القربة فيها ومعاملاته ، في كون الصحّة فيها مراعى بمطابقة الواقع من دون مدخليّة لخصوص أحد طريقي الاجتهاد والتقليد في الصحّة ، لكون وجه اعتبارهما وجه الطريقيّة ، فإنّما يعتبران لتشخيص مورد الصحّة عن غيره. وظاهر أنّ انتفاء الطريق لا يلازم دوام بطلان ذي الطريق حتّى فيما لو طابق الواقع ، والمفروض عدم توقّف المطابقة على الأخذ من الطريق.
وتوهّم أنّ ترك سلوك الطريق يلازم الشكّ في الصحّة والبطلان حين الإتيان وهو مانع من إحراز قصد القربة ، إذ لا يعقل قصد القربة مع الشكّ في الصحّة وإنّما يأتي ذلك مع الجزم بصحّة المأتيّ به وموافقته المأمور به الكلّي ولو من باب الجهل المركّب.
يدفعه : أنّ المانع من إحراز قصد القربة ليس مجرّد وجود صورة الشكّ في الذهن بل هي مع الالتفات إليها ، ووجودها لا يلازم دوام الالتفات إليه ، كما أنّ وجود صورة العلم في النفس لا يلازم الالتفات إليه لكثرة ما يغفل العالم عن علمه ، ومع عدم الالتفات إلى الشكّ الموجود يتحقّق قصد القربة البّتة كما يرشد إليه ضرورة الوجدان ، وهو الوجه فيما يشاهد في أكثر العوامّ التاركين للتقليد في عباداتهم الغير العارفين بأكثر مسائل أعمالهم من أنّهم يحرزون قصد القربة فيها مع جهلهم بتفاصيل مسائلها.
وبالجملة : أنّ الجهل الموجب للشكّ في الصحّة ما لم يوجب تزلزلا في ذهن العامل في الامتثال لم يكن مخلاّ بقصد القربة ، وإنّما يوجبه مع الالتفات إلى الشكّ لا مع الغفلة عنه. فإذا تحقّق قصد القربة في العمل المأتيّ به ثمّ تبيّن بعد ذلك مطابقته الواقع انكشفت الصحّة ، إذ لا معنى لصحّة العبادة إلاّ موافقة المأتيّ به المأمور به ، فإذا حاول استعلام حال عباداته السابقة الواقعة جهلا وجب عليه الرجوع إلى الطريق المشروع له ، فإن كان من أهل الاجتهاد فطريقه الاجتهاد والنظر إلى الأدلّة الاجتهاديّة ، فإن ساعدت على مطابقتها الواقع بنى على صحّتها وإلاّ بنى على فسادها ، وإن كان من أهل التقليد فالطريق المشروع في حقّه الرجوع إلى المجتهد ، فإن ساعد فتواه على المطابقة بنى فيها على الصحّة وإلاّ فعلى الفساد. وإذا دار الأمر بين الطريق الموجود حال العمل والطريق الموجود حال الاستعلام مع اختلافهما في اقتضاء الصحّة والفساد كما لو صلّى بلا سورة مثلا وكان السورة في رأي المجتهد الأوّل جزءا ولم تكن في رأي المجتهد الثاني جزءا أو بالعكس ، تعيّن الرجوع إلى الطريق الموجود حال الاستعلام ، لأنّ ثمرة صحّة عباداته السابقة وفسادها إنّما تظهر