في عبادات الجاهل التارك للطريقين ، وقد استثنى منهما مسألتا القصر والإتمام والجهر والإخفات فحكموا بمعذوريّة الجاهل فيهما.
قال بعض مشايخنا : « ظاهر كلامهم إرادة المعذوريّة من حيث الحكم الوضعي وهو الصحّة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة والعقاب ، وهو الّذي يقتضيه دليل المعذوريّة في الموضعين (١) »
أقول : وعليه فيشكل الحال بالنسبة إلى التفكيك المذكور بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي بالمعذوريّة في الأوّل دون الثاني ، فإنّه بظاهره لا يخلو عن تدافع ، لأنّ المأمور به الواقعي في حقّ هذا الجاهل إن كان غير ما أتى به كالإتمام موضع القصر فيعاقب على تركه فهذا يقتضي عدم المعذوريّة من حيث الوضع أيضا ، لعدم حصول أداء المأمور به ، وإن كان ما أتى به لا غير فهذا يقتضي المعذوريّة من حيث التكليف أيضا لعدم مخالفته الواقع.
وقد تفصّى كاشف الغطاء (٢) عن هذا الإشكال بما نقلنا عنه في مسألة الضدّ من التزام أمرين والترتّب بينهما ، بكون الأمر بالقصر مطلقا والأمر بالإتمام مشروطا بالمعصية ومخالفة الأمر بالقصر ، وهذا بعد ثبوت مقدّمتين : استحقاق الجاهل في المسألتين وإجزاء عمله غير بعيد ، إذ العقل لا يأبى اشتراط الأمر بشيء ابتداءا بالعصيان في شيء آخر بمخالفة أمر أو نهي ، ونظيره غير عزيز في الشرعيّات ومنه الكفّارات في جميع مواردها الّتي منها كفّارة إفطار نهار رمضان الّتي تجب مشروطا بمخالفة الأمر بالصيام ، وكفّارة وطء الحائض الّتي تجب مشروطا بمخالفة النهي عن وطء الحائض.
ويحتمل بعيدا أن يلتزم في وجه الجمع بين قضيّتي المعذوريّة وضعا وعدم المعذوريّة تكليفا في المسألتين بتعدّد المطلوب من جاهل الجهر الآتي بالإخفات مكانه وجاهل القصر الآتي بالإتمام مكانه بأن يقال : أنّه في الواقع مكلّف بشيئين أصل الصلاة والجهر والتقصير فيها أو بالتقصير فيها في السفر ، فإذا أتى بالإخفات أو الإتمام لجهله بحكم الجهر والتقصير فقد امتثل الأمر الأوّل وعصى الأمر الثاني ، والأوّل مفيد للإجزاء والثاني موجب للعقاب.
ويحتمل ثالثا الفرق في الجمع بين المسألتين بالتزام الترتّب في مسألة جاهل القصر والتزام تعدّد المطلوب في مسألة جاهل الجهر.
لكن هذا كلّه على تقدير تسليم عدم المعذوريّة من حيث التكليف مع المعذوريّة
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٣٧.
(٢) كشف الغطاء : ٢٦.