من حيث الوضع ، ولك منع المقدّمة الاولى بمنع كون الجاهل في المسألتين معاقبا على مخالفة القصر والجهر إذ لا دليل عليه ، ودعوى ظهوره من كلامهم موضع منع ، حيث لم نجد في كلماتهم شاهدا عليه إلاّ ما في عبارة السيّد كما ستعرف ، أو لمنع كون العقاب على تقدير ثبوته على مخالفة القصر والجهر المبنيّ على كونهما في الواقع مأمورا بهما ، بل العقاب إنّما هو على ترك التعلّم والسؤال كما يظهر من كلام بعضهم.
والأوجه هو الأوّل لعدم العقاب على ترك الواجبات الغيريّة ، وعليه مبنى وجوه اخر ذكرت في توجيه معذوريّة الجاهل في المسألتين ، مثل ما يظهر من صاحب الفصول (١) من أنّ شرط تنجّز التكاليف وإن كان العلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي إلاّ أنّ شرط تنجّزه في خصوص المسألتين على ما ظهر من دليل معذوريّة الجاهل في المسألتين هو العلم التفصيلي ، وقضية انتفاء الشرط انتفاء التكليف بالواقع ، والمفروض إتيانه بما اعتقد كونه مأمورا فلا بدّ من الإجزاء.
ومثل ما قيل : من أنّ الجاهل بالحكم في المسألتين موضوع من الموضوعات ، ومن الجائز كونه بحيث لاحظه الشارع فجعل له حكما وهو وجوب الإتيان بما أتى به. وربّما نزّل عليه كلام السيّد المرتضى رحمهالله ، ولكنّه ليس كما نزّل لظهوره في التزام العقاب ، فإنّه بعد ما سأله أخوه رضيّ الدين عن مسألة معذوريّة جاهل القصر موردا عليها انعقاد الإجماع على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة ، والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزئة.
أجاب عنه : بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور (٢).
قال في المدارك : « وكأنّ المراد أنّه يجوز اختلاف الحكم الشرعي بسبب الجهل فيكون الجاهل مكلّفا بالتمام والعالم مكلّفا بالقصر ، واختلاف الحكم هنا على هذا الوجه لا يقتضي عذر الجاهل » انتهى (٣).
وهذا كالصريح في عدم المعذوريّة بمعنى استحقاق العقاب ، فيتوجّه إليه الإشكال المتقدّم ، إذ الجهل إذا صلح مغيّرا للحكم الشرعي فلازمه عدم تكليف الجاهل بالقصر ، ومعه لا يعقل العقاب على تركه ، إلاّ أن يرجع إلى ترك التعلّم ، وهو الأظهر جمعا بين الحكمين.
ومثل ما قيل ـ أو احتمل أيضا ـ : من أنّه لا فرق بين العالم والجاهل في كون التكليف
__________________
(١) الفصول : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.
(٢) نقله صاحب الذكرى ٤ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٣) المدارك ٤ : ٤٧٣.