أيضا من أنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، ومعناه أنّ تمايز مسائل كلّ علم عن مسائل علم آخر بتمايز موضوعيهما ، وهذا لا يتمّ إلاّ بأن تكون مسائل العلم باحثة عمّا يرجع إلى الموضوع بأحد من الاعتبارات المذكورة.
وقضيّة هذا كلّه عدم كفاية مجرّد صدق تعريف العلم على مسألة في كونها مسألة هذا العلم.
ومع الغضّ عن جميع ذلك يتطرّق المنع إلى شمول التعريف لها أيضا ، لأنّ المأخوذ فيه إنّما هي القواعد الّتي مهّدت لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن الأدلّة التفصيليّة على معنى استنباط الأحكام عن الأدلّة بمعونة هذه القواعد ، وهذه المسألة ليست من هذا القبيل ، لأنّها مهّدت لمعرفة أحكام جزئيّات موضوعها على وجه يكون الواسطة هي نفس هذه القاعدة لا غيرها ممّا هو دليل كما أشرنا إليه في بحث المقدّمة ، كيف ولو لا ذلك لأمكن التوصّل بما ذكر لإدراج جميع القواعد المقرّرة في الفقه الّتي يستنبط منها الفروع ـ كقاعدة نفي الضرر وقاعدة السلطنة وقاعدة اللزوم وقاعدة الصحّة في المعاملة أو في فعل المسلم ونحو ذلك ممّا لا يحصى كثرة ـ في المسائل الاصوليّة وإنّه باطل.
ومن مشايخنا من فصّل في المقام بين ما يكون من الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لاشتباه الحكم الشرعي ، كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره ، بنفسه وما يجري منه في الشبهات الموضوعيّة لاشتباه موضوع الحكم الشرعي ، كعدالة زيد وطهارة ثوبه وفسق عمر ونجاسة بدنه ، بما ملخّصه : « أنّ المسألة على الأوّل اصوليّة ، لاختصاص إجراء هذا النحو من الاستصحاب بالمجتهد وكونه من وظيفته ولا حظّ فيه للمقلّد ، وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة ، وعلى الثاني لا إشكال في كونها فرعيّة (١) » وقرينة المقابلة يقتضي كون الوجه في فرعيّتها على هذا التقدير اشتراك إجرائه حينئذ بين المجتهد والمقلّد وعدم اختصاصه بالمجتهد.
وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ من خواصّ المسألة الاصوليّة أن يختصّ إجراؤها في مواردها بالمجتهد ، وهذا لا يقضي بأن يكون كلّ ما يختصّ إجراؤه في موارده بالمجتهد مسألة اصوليّة ، فإنّ إجراء نحو قاعدة الناس مسلّطون على أموالهم ، وقاعدة نفي الحرج ، وقاعدة نفي الضرر ، وقاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، وغير ذلك ممّا لا يحصى في مواردها من وظائف المجتهد وخصائصه وليست من المسائل الاصوليّة ، مع أنّ ما يختصّ
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ١٨.