بالمجتهد من الاستصحاب عند اشتباه الحكم الشرعي إنّما الحكم ببقائه على ما كان ، ووجه اختصاصه به أنّه نوع من استنباط الحكم الشرعي الفرعي من مدركه وهو الاستصحاب وهو من وظائف المجتهد ، وهذا لا ينافي أن يكون الوجوب العارض لذلك الحكم بالبقاء حكما فرعيّا ، ويكون المسألة الباحثة لا ثبات هذا الحكم الفرعي لموضوعه من جهة قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (١) مسألة فرعيّة ، لأنّ المسألة الفرعيّة ما كانت باحثة عن الأحوال العارضة لفعل المكلّف.
ولا ريب أنّ الحكم بالبقاء من مقولة فعل المكلّف وإن اختصّ في بعض موارده بالمجتهد ، والوجوب المستنبط من قوله : « لا ينقض » عارض له.
ولا حاجة مع ما ذكرناه في دفع الكلام المذكور إلى أن يقال في دفعه : أنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد لأجل أنّ موضوعها وهو الشكّ في الحكم الشرعي وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه لا يتشخّص إلاّ للمجتهد ، وإلاّ فمضمونه وهو العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب آثارها مشترك بين المجتهد والمقلّد ، ليندفع ويجاب عنه بأنّ جميع المسائل الاصوليّة كذلك ، فإنّ وجوب العمل بخبر الواحد وترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصّا بالمجتهد.
نعم تشخيص مجرى خبر الواحد وتعيين مدلوله وتحصيل شروط العمل به مختصّ بالمجتهد ، لتمكّنه من ذلك وعجز المقلّد عنه ، فكأنّ المجتهد نائب عن المقلّد في تحصيل مقدّمات العمل بالأدلّة الاجتهاديّة وتشخيص مجاري الاصول العمليّة ، وإلاّ فحكم الله الشرعي في الاصول والفروع مشترك بين المجتهد والمقلّد.
ثمّ بقي الكلام فيما عزى في المقام إلى بعض السادة الفحول (٢) من أنّه جعل الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده وجعل قولهم عليهمالسلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » دليلا على الدليل ، نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد حيث قال : « إنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء دليل شرعي رافع لحكم الأصل ومخصّص لعمومات الحلّ ـ إلى أن قال ـ : وليس عموم قولهم عليهمالسلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئياته إلاّ كعموم آية النبأ بالقياس إلى أخبار الآحاد المعتبرة » انتهى (٣).
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٣.
(٢) هو السيّد بحر العلوم في فوائده.
(٣) فوائد السيد بحر العلوم : ١١٦ ـ ١١٧.