والظاهر أنّ مراده بقرينة التنظير بآية النبأ وخبر الواحد جعل الاستصحاب عبارة عن حكم عقلي ظنّي بالبقاء. وقولهم عليهمالسلام : « لا تنقض اليقين » دليل على الملازمة بينه وبين الحكم الشرعي ، فالاستصحاب دليل عقلي ملازم للحكم الشرعي بملازمة شرعيّة أثبتها قولهم : « لا تنقض ». وعليه فيكون المسألة الباحثة لإثبات هذه الملازمة من جهة الرواية اصوليّة ، وهذا متين بعد التوجيه المذكور ، حسن على تقدير ثبوت مقدّمات ثلاث :
أحدها : حكم العقل بالبقاء ظنّا.
والاخرى : كون موضوع علم الاصول ذات الدليل لا بشرط وصف الدليليّة.
والثالثة : كون قولهم : « لا تنقض اليقين بالشكّ » مسوقا لبيان الملازمة المذكورة بين الحكم المذكور والحكم الشرعي ، والكلّ محلّ منع.
أمّا منع الاولى : فلما سنحقّقه.
وأمّا منع الثانية : فقد مرّ الإشارة إليه.
وأمّا منع الثالثة : فلظهور الرواية في كونها مسوقة لإعطاء حكم ظاهري تعبّدي للجاهل من حيث هو شاكّ في البقاء بعد اليقين بالثبوت ، وهو وجوب الحكم بالبقاء وترتيب آثار الباقي على ما احتمل بقاؤه مطلقا ، من دون تعرّض فيها لحكم العقل والملازمة بينه وبين حكم الشرع.
ولو أراد ممّا عرفت كون المستفاد من الرواية قاعدة من القواعد ، وهي دليل على الحكم في موردها والرواية دليل على هذا الدليل.
ففيه : ضعف واضح ، إذ إعمال القاعدة في كلّ مورد لمعرفة حكم ذلك المورد ليس على أنّها دليل الحكم في ذلك المورد ، بل على أنّ دليله هو عموم دليل هذه القاعدة ، فليست القاعدة واسطة بين حكم المورد ودليلها لتكون دليلا عليه ، ودليلها دليلا على الدليل ، فبطل التنظير بخبر الواحد وآية النبأ.
وبالجملة القاعدة إذا كانت من قبيل مدلول الدليل فإجراؤها على جميع جزئيّات موضوعها عمل بعموم ذلك الدليل ، ولا فرق في عدم كون البحث عنه على هذا التقدير بين كون المستصحب حكما اصوليّا كاستصحاب الظهور في العامّ المخصّص المبحوث عن حجّيّته ، واستصحاب حجّيّة أخبار الآحاد الثابتة في أزمنة الحضور لإثباتها في أزمنة الغيبة وغيره. فما يتراءا في كلام بعض من كون الأوّل مسألة اصوليّة غير جيّد.