وهذا وإن كان بعيدا بالنظر إلى تعرّض الإمام في الجواب لبيان حقيقة النوم وقصر الناقضيّة على ما غلب منه على الحواسّ الثلاث ، المشعر بكون سؤال الراوي عن الناقضيّة باعتبار الشكّ في صدق النوم عليهما مع الشكّ في كون كلّ نوم ناقضا كما هو محصّل الاحتمال الرابع ، إلاّ أنّه يقرّبه السؤال الثاني ، فإنّه مع السؤال الأوّل يعطيان كون غرض السائل السؤال عن وجوب الوضوء عند الشكّ في تحقّق النوم الموجب له تارة عروض الخفقة والخفقتين ، واخرى عدم سماع الحركة إن حرّك إلى جنبه شيء. ولكنّ الإنصاف : أنّ الأوّل سؤال عمّا يتحقّق به النوم ، والثاني سؤال عمّا يحكم به بتحقّقه ، ومنشأ الأوّل الجهل بتمام حقيقة النوم الموجب لتوهّم تحقّقه بالخفقة والخفقتين وعدمه.
وعليه فأظهر الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل ، وقوله عليهالسلام : « قد تنام العين ـ إلى قوله ـ : فإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء » (١) محصّله : أنّ الموجب للوضوء هو النوم ، وهو ليس بمحض نوم العين ـ وهو زوال الحسّ من العين من غير اختيار على معنى صيرورته بحيث لا يقدر الإنسان على حمله على الإحساس وهذا هو مرتبة الخفقة والخفقتين ـ بل إنّما يتحقّق بنوم العين والاذن والقلب ، على معنى زوال الحسّ عن هذه الحواسّ ، فإنّ النوم حالة غير اختياريّة عارضة للإنسان غالبة على مشاعره موجبة لسقوطها قهرا عن الإحساس والإدراك ، كما يرشد إليه العرف بملاحظة أمارات الوضع من التبادر وصحّة سلب النوم عن حالة النعاس.
ويشهد به أيضا صحيحة زيد الشحّام قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الخفقة والخفقتين؟فقال : ما أدري ما الخفقة والخفقتين؟ أنّ الله تعالى يقول : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )(٢) إنّ عليّا عليهالسلام كان يقول : من وجد طعم النوم فإنّما أوجب عليه الوضوء (٣) بناء على أنّ أخبار الأئمّة عليهمالسلام بعضها يفسّر بعضا ، فإنّ الراوي سأل عن وجوب الوضوء بالخفقة والخفقتين بتوهّم كونهما من النوم أو من أمارات تحقّقه ، وقوله عليهالسلام : « ما أدري ما الخفقة والخفقتين؟ » ليس على ظاهره من الجهل بحقيقة الخفقة والخفقتين ، بل نحو هذه العبارة في العرف تعريض لنفي إناطة الحكم أو موضوعه بما ادّعي عدم العلم به ، ردّا لتوهّم من توهّمه مناطا.
فحاصل غرض الإمام بيان أنّ النوم ليس شيئا يشتبه بالخفقة والخفقتين ، أو اشتبه تحقّقه
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١.
(٢) القيامة : ١٤.
(٣) التهذيب ١ : ٨ ، الحديث ١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ ـ ٨١ ، ح ٢٥٢ ، الوسائل ١ : ١٨١ ، الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٨.